spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

فرنسا تفقد نفوذها بكوت ديفوار.. آخر قلاعها بالساحل الإفريقي

تتزايد مطالب انسحاب فرنسا عسكريا من دول الساحل الإفريقي بشكل متسارع، وقد شكلت خطابات عدد من القادة الأفارقة بمناسبة رأس السنة، فرصة إما للدعوة لأول مرة لمغادرة القوات الفرنسية، كما هو حال الرئيس الإيفواري، أو لتجديد الدعوة للانسحاب كما فعل الرئيسان السنغالي وتشادي.
وعلى غرار تشاد، لم يكن القرار الإيفواري الذي جاء على لسان الرئيس الحسن واتارا منتظرا، فقد ظل ينظر إلى البلدين باعتبارهما حصنين فرنسيين منيعين، ولكن يبدو أن رقعة المطالب بسحب القوات العسكرية في اتساع، ولم تسلم منها حتى الآن إلا الغابون وجيبوتي.
وهكذا فإن من المرتقب خلال العام الجاري أن يكتمل انسحاب القوات الفرنسية من دولة تشاد، وأن تبدأ وتنتهي عملية الانسحاب من السنغال وكوت ديفوار.
ولكن ما ميز الدول الثلاث – عن مالي التي انطلقت منها شرارة طرد القوات الفرنسية، وبوركينا فاسو التي تلتها، والنيجر التي كانت الثالثة على ذات الدرب – أنها لم تتبنَّ قطيعة شاملة مع فرنسا، بل إنها على العكس من ذلك، دعت إلى تعزيز شراكة التعاون معها خصوصا في المجالين الاقتصادي والتجاري.
ولا يستبعد أن تلتحق بهذا الركب لاحقا الغابون، فقد يجعل الجنرال بريس أوليغي نغيما من رفض الوجود الفرنسي على الأراضي الغابونية، موقفا قويا لحملته الانتخابية، رغم أنه لم يعلن بعد الترشح لرئاسيات 2025، لكن الإعلان ربما يكون مسألة وقت فقط لا أكثر.
وحدها جيبوتي قد تشكل الاستثناء، ذلك أن فرنسا ليست الوحيدة التي لديها قاعدة عسكرية هناك بها 1500 جندي وتعتبر الأكبر لباريس في الخارج، وإنما توجد عدة دول أخرى لها حضور عسكري، نظرا للموقع الاستراتيجي للبلاد، وكونها تشكل بوابة رئيسية على مضيق باب المندب على البحر الأحمر.
وقد استغلت جيبوتي هذا الموقع، وأجَّرت جزءا من مساحتها لعدة قواعد عسكرية، وبات المال الذي تجنيه مقابل ذلك يشكل جزءا هاما من ميزانية البلاد السنوية.
وفي مقابل انحسار حضورها العسكري بمنطقة نفوذها التقليدية، تتجه فرنسا نحو تعزيز حضورها في إفريقيا غير الناطقة بالفرنسية، من ضمن آخر مؤشرات ذلك الزيارة التي أداها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أواخر 2024 لدولة إثيوبيا، وتأكيده ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على تعزيز العلاقات بين باريس وأديس أبابا.
وقبل ذلك كانت لماكرون خلال السنوات الماضية زيارات لدول إفريقية مختلفة، لم تكن في الماضي مستعمرات فرنسية، كما هو الحال بالنسبة لجنوب إفريقيا، وغينيا بيساو، وغانا، وأنغولا.
وتستعد فرنسا لتنظيم قمة مع إفريقيا عام 2026 بالعاصمة الكينية نيروبي، كمؤشر آخر على توجه باريس نحو تعزيز الحضور في إفريقيا الأنغلوفونية بالدرجة الأولى.
وتعكس هذه الخطوات المتتالية، أن فرنسا فهمت الدرس، وإن متأخرة، وبالتالي باتت تريد أن يحكم استراتيجيتها الجديدة تجاه إفريقيا بعدان رئيسيان، أولهما الابتعاد عن نشر القوات وإقامة القواعد العسكرية بالدول الإفريقية، وثانيهما عدم التقوقع على الدول التي كانت في السابق مستعمرة من طرفها.
ويمكن لفرنسا بهذا التوجه الجديد أن تعزز حضورها في القارة وفق أسس جديدة أكثر متانة وقدرة على الديمومة، خصوصا إذا نجحت في إقامة شراكة على أساس من الندية مع الدول الإفريقية تضمن الربح للطرفين، عكس العلاقات التي كانت قائمة مع دول الساحل الإفريقي.
ومع ذلك فإن ثقة وسمعة فرنسا لا يمكن توقع عودتها إلى سابق عهدها بمنطقة الساحل في ظل استمرار عاملين اثنين، أولهما التحدي الأمني الذي برر في الأصل الوجود العسكري الفرنسي، لكن باريس فشلت في القضاء عليه، رغم نشرها آلاف الجنود لسنوات طويلة.
أما العامل الثاني فهو بقاء الأنظمة العسكرية في السلطة، ذلك أن هذه الأنظمة جعلت من مناهضة فرنسا وتحميلها مسؤولية الفشل الأمني والتنموي والاقتصادي لبلدان الساحل الإفريقي، أساسا قويا لوجودها، وهو ما لامس هوى في نفوس شعوب المنطقة، وباتت تطالب ببقاء العسكريين في الحكم.

spot_img