اختار الغانيون مجددا رئيسهم السابق جون ماهاما لخلافة الرئيس منتهي الولاية نانا أكوفو أدو، الذي حكم البلاد الأولى إفريقيا في مجال إنتاج الذهب، لولايتين متتاليتين مدة كل منهما 4 سنوات.
وجاء اختيار جون ماهاما البالغ من العمر 65 سنة، والذي شغل منصب رئيس غانا لولاية واحدة من 2013 إلى 2017، وفشل في الفوز لاحقا خلال ترشحين متتاليين، في ظل مصاعب اقتصادية تشهدها البلاد، اعتبر الناخبون إزاءها فيما يبدو أن انتخاب مرشح النظام الذي لم يكن سوى نائب للرئيس يعني استمرارا لذات المسار، فآثروا منح فرصة جديدة لماهاما، أما المتنافسون العشرة الآخرون فلم يكن من ضمنهم منافس جدي.
وقد ركز ماهاما في حملته الانتخابية على البعد الاقتصادي، فتعهد ب”إعادة ضبط” أوضاع البلاد على مختلف الأصعدة، وسعى جاهدا لاستمالة الشباب الذي يمثل نسبة معتبرة من الكتلة الناخبة، حيث إن أزيد من 10 ملايين من أصل أكثر من 18 مليون ناخب، تتراوح أعمارهم بين 18 عاما و35 سنة.
وينتظر الغانيون بعدما حسموا أمرهم باختيار رئيس سابق لتولي تدبير شؤون البلاد خلال السنوات الأربع المقبلة، القرارات الأولى لماهاما إزاء ارتفاع تكلفة المعيشة، وانخفاض العملة، وبمستوى أقل استعجالية مواجهة البطالة والفساد.
وفي خطوة تعكس استمرار تقليد الانتقال السلمي للسلطة بهذا البلد غرب الإفريقي الغني بالكاكاو، أقر مرشح “الحزب الوطني الجديد” الحاكم محمودو باوميا بهزيمته في الانتخابات، وبادر للاتصال بجون ماهاما مهنئا إياه على الفوز.
وقال باوميا الذي كان يعول نانا أكوفو أدو على انتخابه من أجل خلافته في السلطة، في خلال صحفي بالعاصمة أكرا إن الشعب الغاني قال كلمته، وصوت للتغيير، وإنه يحترم ذلك “بكل تواضع”.
ويعكس هذا الاعتراف المبكر بالهزيمة من طرف مرشح النظام في الوقت الذي لم تعلن فيه النتائج النهائية للاقتراع الرئاسي، الطابع الديمقراطي وتعزيز الاستقرار السياسي والأمني، وهي ميزات كثيرا ما عرفت بها غانا، وجعلت منها استثناء إقليميا حيث إن بعض البلدان المجاورة لها، وأخرى تتقاسم معها الفضاء غرب الإفريقي عانت في السنوات الأخيرة من الانقلابات العسكرية، وعدم الاستقرار الأمني، بفعل نشاط الجماعات المسلحة.
وقد حرص الثمانيني نانا أكوفو على صون الجانب الديمقراطي، على الأقل في بعده الانتخابي فلم يسع مثلا وهو المحامي ورجل القانون البارع، إلى مسوغ لتعديل الدستور من أجل الترشح لولاية ثالثة، وإنما أعلن منذ البداية أنه لن يتجاوز الولايتين المسموح بهما دستوريا.
ولكن نانا بالمقابل لم ينجح في تدبير الأزمة الاقتصادية التي عانت منها البلاد وأثرت على الأوضاع الاجتماعية للسكان، ولم يجد بديلا عن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي واقتراض 3 مليارات دولار، وهو ما اعتبر مواجهة أزمة بأزمة، حيث ارتفع حجم مديونية البلاد، وفي الغالب ستتخلف عن سداد ديونها لاحقا، على غرار ما حصل عام 2022، بعدما وصلت ديونها الخارجية 30 مليار دولار بسبب الاقتراض المفرط.
إن هذه التركة الثقيلة ستكون من أبرز التحديات التي ستواجه ماهاما في مهته الرئاسية الجديدة، وهو الذي سبق أن توقع استطلاع رأي أجرته مجموعة “غلوبال إنفوانالاتيكز” البحثية ومقرها أكرا، فوزه بالرئاسة بسبب أدائه الاقتصادي الجيد خلال رئاسته السابقة.
ويبدو أن ثقة الغانيين كانت كبيرة في جون ماهاما هذه المرة، رغم أن مرشح النظام محمودو باوميا خبير اقتصادي ومحافظ سابق للبنك المركزي، وقدم في حملته الانتخابية خطة لتعزيز الاقتصاد وتحسين سبل العيش، ولكن كل ذلك لم يشفع له في إقناع الغانيين، فاختاروا له الخروج من السلطة مع نانا أكوفو في نهاية ولايتيهما.
وإذا كان الغانيون اختاروا ماهاما الآن، فإنهم سبق أن رفضوا التجديد له عام 2017، بسبب التهم الموجهة لحكومته بشأن التورط في قضايا فساد، فهل يكون على قدر الرهان والتحدي هذه المرة؟