spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

طائرة تجكجة.. ارتقاء خلد الموريتانيون به ذكرى الضحايا

مــدار -أسامة يوسف

في فجر فاتح يوليو عام 1994، استيقظ الموريتانيون على فاجعة وطنية لا تزال ذكراها جرحًا نازفًا في الذاكرة الوطنية.

سقوط طائرة تابعة للخطوط الجوية الموريتانية قرب مدينة تجكجة، أودى بحياة عشرات الأشخاص من بينهم وجوه بارزة في السياسة والثقافة والإدارة.

تحوّلت هذه الحادثة إلى لحظة مفصلية في تاريخ الطيران المدني الوطني، وكشفت تبعاته هشاشة قطاع النقل الجوي في البلد يومها.

نوع الطائرة وأسباب السقوط

كانت الطائرة المنكوبة من طراز “Fokker F-28”، قد أقلعت من مطار نواكشوط الدولي، وعلى متنها حوالي 90 شخصا متجه إلى مطار تجكجة لكنّ الرحلة لم تكتمل، وعلى مقربة من عاصمة ولاية تگانت، وفي ظروف غامضة، هوت الطائرة وسط منطقة جبلية وعرة.

لم يُعثر على الصندوق الأسود، وظلت أسباب السقوط محل جدل وشائعات، بين من حمّلها لعوامل تقنية مرتبطة بعجلة الطائرة، ومن أشار لتقصير في التهيئة الملاحية وسوء الأحوال الجوية وقتها .

رثاء فنيّ وتخليد شعبي

خلدت الذاكرة الموريتانية هذا الحادث لا بوصفه مجرد كارثة طيران، بل باعتباره مأساة قومية تجسدت في الأعمال الفنية والرثائية التي أعقبتها.

ومن أبرزها شريط الشوق أو “بنض الطائرة” للراحلين الخليفة ولد أيده، وديمي آبه حيث استهلا الشريط بمرثية كتبها الشاعر آدي ولد آدبه في رثاء الركاب، فكانت بمثابة نشيد للحزن الوطني، لا تزال تُبث على أثير الإذاعة وتتداول على وسائط التواصل الاجتماعي في ذكرى الحادث الأليم.

تاريخ حافل.. لكنه مثقل بالحوادث

لا يُعدّ حادث تجكجة الوحيد في سجل الطيران الموريتاني، فالتاريخ يحمل بين صفحاته سلسلة حوادث وإن كانت متباعدة، إلا أنها رسّخت لدى المواطنين نوعًا من القلق تجاه النقل الجوي:

• في أواخر التسعينيات، شهد مطار نواكشوط هبوطًا اضطراريًا لطائرة موريتانية قادمة من لاس بالماس، بسبب عطل تقني.

• وفي مطلع الألفية، كادت طائرة ركاب تابعة للخطوط الوطنية أن تتحطم على مدرج مطار نواذيبو بعد انزلاقها بسبب عطل في العجلات.

• وفي 2001، أعلنت الموريتانية للطيران سحب بعض الطائرات القديمة من الخدمة، بعد ضغوط دولية وتخوفات داخلية.

•وفي شهر أغسطس 2011 تحطمت إحدى الطائرات العسكرية “أثناء قيامها بمهمة تدريبية اعتيادية” في نواحي مدينة شنقيط واستشهد على إثر الحادث الملازم أول البخاري ولد محمد احمد”.

•وفي العام الموالي وتحديدا شهر يوليو 2012 تسبب سقوط طائرة عسكرية داخل سور مطار نواكشوط، في وفاة سبعة أشخاص من بينهم قائد العمليات الجوية في الجيش الوطني

•وفي شهر مارس من العام الموالي كذلك 2013 سجل حادث سقوط طائرة عسكرية من نوع “تيكانو” قرب مدينة أوجفت في ولاية آدرار وتسبب في وفاة عريف في الجيش الوطني وإصابة قائد الطائرة.

•وقبل حوالي سنة من الآن استيقظ سكان مدينة أطار على حادث تحطم طائرة من نوع SF260 في مطار “أطار” الدولي أدى إلى وفاة نقيب طيار وطالب ضابط طيار.

الموريتانية للطيران.. من الانطلاقة إلى الإخفاقات

تأسست الخطوط الجوية الموريتانية في سبعينيات القرن الماضي، في محاولة لربط نواكشوط بالعواصم الإقليمية والدولية، حيث بدأت بأسطول صغير من الطائرات المستعملة، وعانت منذ البداية من ضعف البنية التحتية، وقلة الكوادر الفنية المدربة، وتهم الفساد وسوء الإدارة.

ومع مطلع الألفية، بدأت سلسلة الانهيارات، حيث أدرجت بعض طائراتها في “القائمة السوداء الأوروبية”، مما أجبر السلطات على إعلان إفلاس الشركة الأم وإنشاء شركة جديدة باسم “الموريتانية للطيران” عام 2010.

رغم ذلك، ظلت التحديات قائمة، بين ضعف الأسطول وتكرار الأعطال، مما دفع الحكومة إلى استيراد طائرات ATR ثم Embraer لتعزيز القدرات التشغيلية، دون أن تُحلّ جذور الأزمة المتمثلة في غياب الصيانة الدورية، والتكوين الفني للكادر البشري، ونقص الصرامة في الرقابة.

ثلاثة عقود من غياب استقصاء الكوارث

ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود ماتزال حادثة طائرة تجكجة حاضرة في وجدان الموريتانيين، لا بوصفها مأساة تقنية فحسب، بل كجرح وطني ظل مفتوحًا على أسئلة العجز، والقصور، والغياب شبه الدائم للعدالة التقنية في استقصاء الكوارث.

spot_img