أخيرا وجدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا نفسها أمام أمر الواقع إزاء الأزمة السياسية في النيجر، فلا هي تدخلت عسكريا – كما وعدت وتوعدت في الكثير من المناسبات – ولا مطلبها – الأدنى – بالإفراج عن الرئيس المدني محمد بازوم المطاح به عبر انقلاب عسكري منذ 27 يوليو الماضي تحقق.
لقد نزلت “سيدياو” اليوم خلال قمتها الرابعة والستين العادية في أبوجا، إلى مستوى مقايضة انقلابيي النيجر بإقرار فترة انتقالية قصيرة قبل عودة المدنيين إلى السلطة، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد.
وقررت المجموعة غرب الإفريقية إيفاد لجنة تضم ممثلين عن بنين وسيراليون وتوغو، إلى نيامي من أجل التباحث مع مجلسها العسكري بشأن ضرورة إحراز تقدم، قبل تخفيف العقوبات، التي لم تجد أصلا في ثني الانقلابيين عن الاحتفاظ بالسلطة.
إن “سيدياو” فشلت في استعادة السلطة للمدنيين في النيجر، ومن قبلها في مالي، التي أجل المجلس العسكري الحاكم فيها موعد الانتخابات الرئاسية، دون تحديد موعد جديد لها، وفي بوركينا فاسو وغينيا كوناكري، اللتين لم تقطعا بعد خطوات كبيرة بشأن المسار المتفق عليه مع المجلسين العسكريين الحاكمين بهما.
ولعل هذا العجز الواضح من طرف المجموعة غرب الإفريقية، هو الذي شجع على حصول محاولتين انقلابيتين مؤخرا بغينيا بيساو وسيراليون، وربما تحصل محاولات أو انقلابات في دول أخرى لاحقة، مادامت “سيدياو” تكتفي بالتهديد، والتنديد، وفرض عقوبات وقعها على المحكومين أكبر من الانقلابيين الحاكمين بالقوة، ثم تستسلم وتفاوض على فترة انتقالية، تكون في الغالب 3 سنوات أو أكثر، إما بشكل مباشر أو غير مباشر.
إن من الواضح أن رسالة عسكريي النيجر وبوركينا فاسو المنسحبتين مؤخرا من مجموعة دول الساحل الخمس، وتلويحهم إلى جانب مالي بإمكانية الانسحاب من “سيدياو” قد وصلت المنظمة غرب الإفريقية، ووجدت نفسها أمام خطر محدق على مستقبل تماسكها، لأن انسحاب هذه الدول الثلاث، قد يليه أو يصاحبه انسحاب لغينيا كوناكري، وقد يدفع الأمر عسكريين آخرين في بلدان أخرى إلى انقلابات على المدنيين، وإعلان الانسحاب من المجموعة، للتهرب من عقوباتها، فلجأت تخوفا من ذلك إلى خيار التخفيف مقابل فترة انتقالية قصيرة، وهو نفس الأمر الذي حصل مع الدول التي سبقت النيجر للموجة الجديدة من الانقلابات العسكرية.
ورغم أن رئيس نيجيريا الرئيس الدوري لسيدياو بولا أحمد تينوبو، هاجم أمام القمة اليوم تحالف دول الساحل، المتأسس مؤخرا والذي يضم ثلاثا من الدول معلقة العضوية بالمنظمة، وهي مالي وبوركينا فاسو والنيجر، معتبرا إياه “تحالفا وهميا يهدف إلى صرف الانتباه” عن سعي المجموعة غرب الإفريقية “المشترك نحو الديمقراطية والحكم الرشيد”، إلا أن خطوة انسحاب البلدان الثلاثة من مجموعة الخمس في الساحل، وبحثها إنشاء اتحاد اقتصادي ومالي، وشركة خطوط جوية مشتركة، وبنك للاستثمار، كان لها تأثير على قمة أبوجا اليوم ومخرجاتها.
لقد تراجعت سيدياو عن خيار التدخل العسكري الذي أجرته عديد المرات بعدد من دولها الأعضاء، من أجل إعادة المدنيين إلى السلطة، نحو لغة التهديد غير المنفذ، وفقدت بذلك هيبتها، ومصداقيتها، وهذا ما جعل الانقلابات العسكرية تتوالى في المنطقة.
إن إخفاق المنظمة غرب الإفريقية في إعادة السلطة بالنيجر، سيكون لا شك عامل تشجيع على حصول المزيد من الانقلابات العسكرية بالمنطقة، وستتخذ حينها تلك البلدان من مالي وتجربتها نموذجا، حتى وإن لم تكن مستعمرات فرنسية سابقة، ولم توجد بها قوات عسكرية أجنبية.
وتبقى الفرصة الوحيدة أمام سيدياو، من أجل إنقاذ ماء الوجه، الحزم في وجه العسكريين الحاكمين الآن في الدول الأربع معلقة العضوية، من أجل إعادة المدنيين إلى السلطة، والعمل على عدم التحايل على ذلك من خلال ترشح قادة الفترات الانتقالية للانتخابات، وعودتهم للسلطة عبر البوابة الانتخابية.