صوت تشاديون اليوم على مشروع دستور جديد هو العاشر في تاريخ البلاد منذ عام 1958، ويشكل رهانا وتحديا بالنسبة للرئيس الانتقالي للبلاد الجنرال محمد إدريس ديبي إتنو، في أفق الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2024، والتي لا يستبعد أن يترشح لها الرئيس الشاب، الذي خلف والده في السلطة على رأس مجلس عسكري انتقالي.
ويتكون مشروع الدستور الجديد، الذي ينتظر أن تصادق على نتائجه المحكمة العليا في 28 من الشهر الجاري، من 10 فصول مقسمة إلى 23 بابا، ويتضمن 291 مادة.
ومن ضمن القضايا الجديدة التي تضمنها هذا المشروع الدستوري، تحديد ولاية الرئيس في اثنتين غير قابلتين للتجديد، مدة كل واحدة منهما 5 سنوات، كما ينص كذلك على أن “قوات الدفاع والأمن التي تخدم الأمة تشادية، هي قوات تتبع للدولة وغير سياسية”.
ويعتمد المشروع الدستوري على مخرجات جلسات الحوار الوطني التي انعقدت بنجامينا في أغسطس 2022، وأيضا على دستور 31 مارس 1996، لكنه لا يحظى بموافقة جميع الأطراف.
فجزء كبير من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني يدعو إلى مقاطعة الاستفتاء، ويعتبر أن الهدف من وضع دستور جديد هو التحضير لانتخاب محمد ديبي إتنو، والحفاظ على بقائه في السلطة عبر بوابة الانتخابات، ليشكل بذلك الجنرال استمرارا لحكم والده الماريشال، الذي حكم البلاد 3 عقود.
وبالمقابل تعتبر السلطات أن هذا المشروع الذي تراهن على إجازته من طرف تشاديين ليصبح ناجزا، يختلف عن الدساتير التي عرفتها البلاد خلال العقود الماضية، حيث أنشأ وأعاد تأهيل وتنظيم مؤسسات كمجلس الشيوخ، والمجلس الأعلى للقضاء، والمحكمة العليا، والمجلس الدستوري، ومحكمة الحسابات، والمحكمة العسكرية.
وعلى صعيد الشفافية، فإن ميزانية الدولة ستتم مراقبتها وفق مشروع الدستور الجديد، عبر ديوان المحاسبة باعتباره أعلى مؤسسة للرقابة على المالية العامة في البلاد، كما أن رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، ستؤول إلى رئيس المحكمة العليا بدلا من رئيس الجمهورية.
ويتضمن المشروع الدستوري كذلك، إدخال مبادئ وقيم جديدة كالشفافية والتسامح السياسي والعرقي والديني، وهذا فيه إحالة لأعمال العنف التي عرفتها البلاد سواء في عهد الرئيس الراحل إدريس ديبي، أو الحالي محمد ديبي، والتي كانت لها تداعيات كبيرة اجتماعية وسياسية.
وكان محمد ديبي قد وعد لدى توليه السلطة بعد مقتل والده، بإجراء انتخابات بعد فترة انتقالية مدتها 18 شهرا، لكن مع انقضاء هذه الفترة، مدد عن طريق الحوار الوطني، المرحلة الانتقالية لمدة عامين، وسمح لنفسه بالترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها أواخر العام المقبل.
وقد نتج عن ذلك حصول رفض واسع من طرف المعارضة غير المشاركة في الحوار، وهي التي تعتبر الآن أن إجازة الدستور بمثابة استمرار لديبي الإبن في السلطة.
وقد حاول الرئيس الانتقالي إعطاء بعض الإشارات الإيجابية بشأن انفتاحه على المعارضة، واستعداده للمصالحة، لكن ذلك لم يجد بعد في خلق إجماع، وإن كان النظام نجح في استقطاب تأييد زعيم المعارضة سيكسي ماسرا.
لكن ما يزال طيف واسع من المعارضة يرفض استمرار ديبي في الرئاسة، كما تعارض ذلك أيضا مجموعات مسلحة متمردة تنشط خارج تشاد، وهذا يشكل تحديا لنظام الرئيس الانتقالي، خصوصا إذا أعلن بشكل صريح ترشحه للرئاسة.
وفي ضوء كل
ذلك، ينتظر أن تعطي نسبة المشاركة في الاستفتاء الدستوري الحالي، صورة عن مدى شعبية محمد ديبي، وربما عن مدى استعداد تشاديين للتصويت عليه في حال قرر الترشح للرئاسة.
وإزاء الانقسام تشادي الداخلي منه والخارجي، ستنقسم المواقف الإقليمية والدولية بين مؤيد لاستمرار محمد ديبي في السلطة، وتأييد ترشحه للرئاسة، وبين من يعارض ترشحه ويرى بضرورة فتح الباب أمام تنافس المدنيين، بعد فترة انتقالية لأزيد من 3 سنوات.