في ظل تضييق الخناق على المعارضة المالية بالداخل، من خلال تعليق نشاط الأحزاب والمنظمات ذات الطابع السياسي إلى أجل غير مسمى، تم في الخارج الإعلان عن تشكيل حكومة مدنية بالمنفى يرأسها المحامي السابق محمد شريف كوني، وتضم 6 وزراء.
وبحسب بيان صادر في جنيف عن المعارضين الماليين بالمنفى، فإن الحكومة تضم إلى جانب محمد شريف كوني الذي يتولى كذلك حقيبة الدفاع وحماية السكان، والرياضة، عضوية ساديو كانتي كنائبة لرئيس الوزراء، وتتولى بدورها أيضا حقيبة الاتصال، والطاقة، والبيئة، والنقل.
ويتولى المعارض المالي محمد أغ أحمدو وزارة الخارجية، وعثمان ساليف تراوري وزارة الداخلية والعدالة، وعيشة والي محمد عيسى وزارة التنمية الاجتماعية والتعليم الابتدائي، فيما يتولى أبوبكر الصادق وزارة المالية، والفوسيني افال وزارة الاقتصاد والتكوين والبحث.
وأوضح البيان أن الأمين العام للحكومة سيعين لاحقا، وأن هذه “الحكومة المدنية الانتقالية، تعد الحكومة الشرعية الوحيدة لمالي”، وهي منبثقة عن “مجلس المواطنين للانتقال المدني” الذي يرأسه المعارض أدامان تراوري.
وقبل الإعلان عن هذه الحكومة بيوم، خرجت “حركة 5 يونيو – تجمع القوى الوطنية” التي يرأسها رئيس الوزراء شوغيل كوكالا مايغا، عن صمتها منتقدة بشدة في بيان أصدرته، سعي المجلس العسكري إلى “تمديد بقائه في السلطة لعدة سنوات إضافية”.
وقبل ذلك دعا ائتلاف مالي للتظاهر ظهر الجمعة السابع من يونيو المقبل، ضد الانقطاع المستمر ولفترة طويلة للتيار الكهربائي، وغلاء المعيشة.
وتؤشر مختلف هذه الخطوات، على بدء تشكل نواة رافضة لاستمرار المجلس العسكري دون تنظيم انتخابات، في وقت تتزايد فيه الأزمات والتحديات الداخلية، دون إيجاد حلول لها، وبالتوازي معها بدأ يتآكل رصيد شعار “السيادة” وتحميل فرنسا والغرب عموما المسؤولية عما يحصل، لأن أي أزمة في نظر حكام مالي العسكريين هي نتاج تراكمي لما كان عليه الوضع في الماضي.
ويبدو أن مثل هذه التحركات، يشكل عامل إزعاج للمجلس العسكري المالي، ففي وقت سابق من شهر مايو الجاري، فتح المدعي العام في باماكو آدما كوليبالي تحقيقا في إعلان ائتلافي “لجنة الديمقراطيين الماليين”، والتقارب من أجل انتقال مدني” عن “إنشاء هيئات ومؤسسات موازية” في الخارج.
واعتبر المدعي العام أن الإعلان عن برلمان مواز في الخارج للبرلمان الانتقالي الرسمي، يعد بمثابة “اعتداء على أمن الدولة، وتحريض على العنف والجريمة”، وأن أصحابه “يحرضون المواطنين على الانتفاضة ضد المؤسسات القائمة”.
ووجه المدعي العام الاتهام مباشرة إلى محمد شريف كوني، الإسم المعروف في دهاليز المحاماة والقضاء، حيث يعتبر أول محام بالمحكمة العليا، وكان يرأس منظمتين مهنيتين هما الرابطة المالية للمدعين العامين والمتابعين، والنقابة المرجعية للقضاة.
وقد اشتهر محمد شريف كوني بانتقاده للمجلس العسكري، وسبق أن اتهمه ب”التلاعب بالعدالة المالية”، كما ندد علنا بالإجراءات المتخذة ضد رئيس الوزراء الأسبق سومايلو بوبي مايغا، الذي توفي رهن الاعتقال.
وتم بناء على انزعاج السلطات المالية منه، فصله من منصبه عام 2023، وقد غادر البلاد وبات الآن مقيما في سويسرا، وينشط بقوة ضد المجلس العسكري الحاكم في باماكو.
وقبل التحركات الأخيرة لمحمد شريف كوني ورفاقه في المنفى، كان الناشط ومؤسس “الحركة الجمهورية” أينيا إبراهيم كامارا، قد أعلن من أبيدجان في 27 فبراير 2022 نفسه رئيسا انتقاليا مدنيا لمالي، وتعهد بتشكيل حكومة مدنية تتولى إجراء الانتخابات في غضون 6 أشهر.
وقدم أينا نفسه كرئيس لائتلاف “حركات شرف الوطن” المكون من 8 أحزاب سياسية معارضة للمجلس العسكري الانتقالي بباماكو، ثم غادر تحت الضغط، أبيدجان إلى فريتاون.
ورغم أن إعلانه الذي فتحت العدالة المالية تحقيقا بشأنه، لم يؤثر عمليا على مجريات الأوضاع في مالي، إلا أنه فتح الباب أمام المعارضة المالية في المنفى للتوحد ضد النظام.
والآن تبقى الأنظار مسلطة على محمد شريف كوني ورفاقه، لمعرفة ما إذا كان سيكون مجرد نسخة سويسرية من خطوة إبراهيم كامارا الإيفوارية؟ أم أن هامش التحرك والتأثير سيكون أقوى بجنيف منه في أبيدجان وفريتاون؟