في خطوة تعكس اهتماما بغرب القارة مع اقتراب إكمال الحرب الداخلية عامها الثاني، استهل رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان السبت جولة إفريقية من العاصمة المالية باماكو.
وخلال أولى محطات الجولة، التي تشمل كذلك موريتانيا التي ترأس دوريا الاتحاد الإفريقي، إلى جانب السنغال، وسيراليون، وغينيا بيساو، استعرض الجنرال السوداني مع نظيره المالي الجنرال عاصيمي غويتا، العلاقات التاريخية بين البلدين.
وتم بالمناسبة نقاش الوضع الأمني في السودان، حيث أكد غويتا استعداد بلاده “للتنسيق مع السودان لمحاربة الجماعات الإرهابية”، كما دعا إلى “ضرورة تضافر الجهود من أجل محاربة المجموعات المتمردة”.
وقال غويتا خلال مباحثات مع ضيفه البرهان إن هناك “أعداء يعملون ضد أمن واستقرار السودان، وذلك طمعا في الموارد الضخمة” التي تزخر بها البلاد، مؤكدا دعم مالي للسودان في مواجهة ما تتعرض له “من استهداف ضد أمنها واستقرارها”.
وكان البرهان قد أوفد في يونيو 2024، نائب قائد القوات المسلحة السودانية الفريق شمس الدين كباشي، ووزير الدفاع ياسين إبراهيم، إلى دولتي النيجر ومالي، وتم حينها نقاش ملف الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف ابريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وتشكل جولة البرهان الإفريقية الحالية، امتدادا لجولات سابقة له بالقارة، بدأها أواخر أغسطس 2023 بزيارة إلى مصر، كانت أول وجهة خارجية له منذ اندلاع حرب الجنرالين في السودان، ثم زار لاحقا دولة جنوب السودان، التي انفصلت في يوليو 2011 عن السودان، وما تزال تعاني أزمة مستحكمة متعددة الأبعاد.
وعلى غرار مباحثاته مع رئيسي مصر عبد الفتاح السيسي، وجنوب السودان سلفا كير، بحث البرهان في سبتمبر 2023 الحرب في بلاده مع رئيس إريتريا أسياس أفورقي خلال زيارة خاطفة إلى أسمرة.
كما زار البرهان أوغندا، وشارك بجيبوتي في أعمال الدورة غير العادية الحادية والأربعين لجمعية رؤساء دول وحكومات منظمة “إيغاد”، وزار لاحقا رواندا وأنغولا، كما استقبل يوليو الماضي في بورت سودان رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، وبات أول مسؤول إفريقي يزوره في هذه المدينة.
وفي مثل هذه الفترة من العام 2024، كانت لقائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، الذي فرضت عليه الإدارة الأمريكية عقوبات قبل أيام، جولة إفريقية قادته إلى دول جوار السودان خصوصا أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي، ناقش خلالها تطورات الوضع في البلاد، ورؤيته لوقف الحرب والوصول إلى حل شامل.
وتوسعت جولة دقلو الإفريقية الأولى منذ بدء الحرب، لتشمل لاحقا رواندا، وكينيا وجنوب إفريقيا، ما أثار غضب البرهان على مختلف هذه الدول التي استقبلت نائبه السابق في مجلس السيادة، وخصمه في الحرب المدمرة للإنسان والاقتصاد.
وهكذا، فإنه يمكن اعتبار جولة البرهان غرب الإفريقية تأتي في إطار التنافس الدبلوماسي بينه وحميدتي من أجل كسب تأييد إقليمي، في ظل استمرار الحرب مخلفة عشرات آلاف القتلى والجرحى، وملايين اللاجئين والنازحين، فضلا عن تسببها في واحدة من أفظع الأزمات الإنسانية الحديثة على الصعيد العالمي.
وفي ذات السياق فإن جولة قائد الجيش السوداني الحالية تأتي كذلك في ظل تقارب متسارع الوتيرة بين الخرطوم وموسكو، ومن هنا يفهم تركيز البرهان على مالي التي بدأ منها جولته، وإيفاده مبعوثين في وقت سابق إليها والنيجر، ذلك أن البلدين تربطهما إلى جانب بوركينا فاسو، علاقات وطيدة بروسيا عسكريا واقتصاديا.
وفي ذات الوقت يريد البرهان أن يعطي الانطباع بأنه منفتح على الدور الإفريقي في إنهاء الحرب، وذلك في ظل تعثر جهود الواسطات الدولية، وإغلاقه الباب في وقت سابق أمام وساطة منظمة “إيغاد” متهما إياها بعدم الحياد إزاء هذا الملف الشائك.