مثيرة للاستغراب هي بعض المخرجات التي خرج بها المشاركون في الحوار الوطني بمالي، والذي دعا له الرئيس الانتقالي عاصيمي غويتا، سعيا إلى معالجة مشاكل وأزمات البلاد داخليا، دون وصاية أو وساطة من أي جهة خارجية.
وقد جاءت الدعوة إلى هذا الحوار، بعد توتر العلاقات بين باماكو والجزائر، وهو ما قاد في نهاية المطاف إلى إلغاء اتفاق السلم والمصالحة، الموقع عام 2015 بين السلطات المالية والحركات الأزوادية برعاية جزائرية.
وقد بدت الأحادية واضحة على مخرجات هذا الحوار الداخلي، نتيجة غياب الأطراف الفاعلة في المعارضة، بعدما قررت السلطات تعليق نشاط الأحزاب، والمنظمات ذات الطابع السياسي، إلى أجل غير مسمى.
وتناغما مع مبتغى السلطات الانتقالية، الحاكمة منذ أزيد من 3 سنوات، والتي أجلت الانتخابات إلى موعد غير محدد معتبرة أن إحلال الأمن هو الأولوية الآن، جاءت المخرجات على المقاس.
فقد أوصى المشاركون في الحوار، بتمديد المرحلة الانتقالية من عامين إلى 5 سنوات، وهو ما يعني أن غويتا سيقود البلاد إلى غاية 2027، وبعدها سيكون بمقدوره الترشح للرئاسة، إذا تقرر تنظيم انتخابات تنهي المسار الانتقالي، وبالتالي فإنه إن فاز – وهذا هو المنتظر – سيبقى رئيسا إلى غاية 2032، وسيكون بإمكانه الترشح كذلك لولاية ثانية.
كما أوصى الحوار بترقية كل من العقداء عاصيمي غويتا، ومالك دياو، وساديو كامارا، وإسماعيل واغي، وموديبو كوني، وعبد الله مايغا – وهؤلاء جميعهم يحتلون الآن مسؤوليات قيادية في المرحلة الانتقالية – إلى رتبة جنرالات.
وتضمنت التوصيات أيضا تقليص عدد الأحزاب السياسية، وإلغاء المساعدات العامة المقدمة لها، صحيح أن أكثر من 200 حزب سياسي في البلاد، عدد كبير يحتاج إلى مراجعة، ولكن ذلك ينبغي أن يتم بناء على آلية قانونية تشرك الأحزاب نفسها في التفكير فيها، ويتم وضعها طبقا لتشاور واسع.
وأوصى المشاركون في الحوار بحل جميع الميليشيات المسلحة، ودمج عناصرها في الجيش الوطني، وهذا قد يقود إلى التخفيف من حدة الصراعات المسلحة بين المكونات الاجتماعية، وخصوصا “الفلان” و”الدوغون”، إذ كثيرا ما يحصل صراع مسلح بين هتين المكونتين تحديدا، ويخلف أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى.
ففي مارس 2019 إبان حكم الرئيس الراحل إبراهيم بوبكر كيتا، خلف هجوم لميليشيا مسلحة من “الدوغون” على قرية “أوغوساغو” بولاية موبتي بوسط البلاد، مقتل أزيد من 100 مدني من الفلان، وتقرر على إثر ذلك حل تلك الميليشيا المسلحة.
وقد تكررت قبل ذلك وبعده حوادث مماثلة، إذ أن غياب الجيش في عدة مناطق بالبلاد، دفع بعض المدنيين إلى التسليح للدفاع عن أنفسهم في حال تعرضوا لهجمات من طرف الجماعات المسلحة، ولكن ذلك لم يجد في التصدي للجماعات المسلحة، وانقلب في كثير من الأحيان إلى اقتتال داخلي.
وبالإضافة إلى توصية حل الميليشيات المسلحة، دعا المشاركون في الحوار كذلك إلى فتح حوار مع الجماعات المسلحة، وهذا إن حصل سيكون مقاربة جديدة في مالي، بعدما جربت أزيد من عقد من الحرب المسلحة ضد هذه الجماعات، مستنجدة في البدء بفرنسا، والآن بروسيا، دون أن يمكن ذلك من القضاء عليها.
ويبدو أن التوصيات قد لامست هوى في نفس الرئيس الانتقالي عاصيمي غويتا، فتعهد في ختام أعمال الحوار بتطبيقها، وأعطى توصياته للجهات المعنية، بالعمل على تنفيذها.
ولكن هذه التوصيات بلا شك لن ترضي باقي الأطراف الداخلية المالية التي لم تشرك في الحوار، ولن تحظى أيضا بقبول المنظمات الإقليمية والدولية، وهذا قد يقود إلى فصل جديد من الضغط على مالي، ما يعني أن المرحلة الجديدة من المسار الانتقالي لن تمر بسهولة.