spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

توتر علاقات “كير” و”مشار”.. هل دقت ساعة الحرب؟

فيما تقترب الحرب في السودان من دخول عامها الثالث، رغم تحقيق الجيش تقدما لافتا خلال الأشهر الأخيرة مكنه من استعادة العاصمة الخرطوم من قوات الدعم السريع، احتدم التوتر في جنوب السودان، البلد الذي استقل عن السودان عام 2011، ولكنه لم يشهد بعد استقرارا سياسيا واقتصاديا.
تعود أسباب التوتر الجديد إلى خلاف بين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه الأول رياك مشار، وقد تطورت الأحداث على نحو متسارع خلال الأسابيع الأخيرة، فانتقلت من تصريحات هنا وهناك بين أنصار رجلي جوبا القويين، إلى هجمات متبادلة بين الجيش النظامي للبلاد، و”الجيش الأبيض” المحسوب على نائب الرئيس.
وتم لاحقا اعتقال عدد من المسؤولين في الحكومة وبعض القيادات العسكرية المحسوبين على الحركة الشعبية المعارضة “حزب رياك”، قبل أن يصل الأمر إلى مشار نفسه، حيث
وضع قيد الإقامة الجبرية، ووجهت له تهمة “التحريض على العنف” من أجل “العودة” إلى مربع الحرب.
والحرب التي حذرت من تجددها أطراف أممية ودولية وإقليمية عديدة، تحيل إلى اقتتال أهلي طاحن اندلع من 2013 إلى 2018 بين أنصار الرئيس الحالي ونائبه، وخلفت نحو 400 ألف قتيل، وشردت الملايين بين نازح ولاجئ، وكادت أن تعصف بالدولة الفتية، التي خرجت في الأصل إلى الوجود من رحم الأزمات.
وقد وقع الطرفان على اتفاق سلام انتهت بموجبه الحرب، ونص من ضمن نقاط أخرى، على تقاسم السلطة، ودمج الجيشين، وكتابة دستور جديد، وتنظيم انتخابات.
ولكن أغلب بنود الاتفاق لم تطبق، باستثناء الإشراك في المناصب السياسية والعسكرية للدولة، وبالتالي ظل التفاهم هشا بين “كير” و”مشار”، ومن حين لآخر كانت تطفو بعض التوترات الصغيرة، التي تؤشر على أن المرحلة الأصعب في طريقها إلى البلاد.
وتعتبر “الحركة الشعبية” أن اعتقال زعيمها بمثابة إلغاء اتفاق السلام، و”محاولة للاستثئار بالسلطة بطريقة مخالفة للدستور”، ملوحة بالتصعيد، إذا لم يتم إطلاق سراحه وباقي قياداتها.
وبالمقابل يتجه نظام سلفاكير وفق ما صرح به قبل أيام مايكل كاكوي لويث الناطق باسم وزارة الإعلام في البلاد، إلى محاكمة رياك مشار بتهمة التحريض.
وهذا إذا حصل سيعجل بالتوجه المباشر نحو العنف والحرب الأهلية من جديد، وستكون الكلفة باهظة بالنظر إلى السياق الداخلي الموسوم بصعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية من جهة، واستمرار تداعيات الحرب في السودان كذلك من جهة أخرى.
ومن ضمن أحدث تداعيات هذه الحرب، توتر العلاقات بين جوبا والخرطوم، فقد هدد قبل أيام عضوُ مجلس السيادة الانتقالي مساعدُ القائد العام للجيش السوداني الفريق أول ياسر العطا، جنوب السودان وتشاد بالانتقام منهما، متهما إياهما بمساندة قوات الدعم السريع، وهو ما ردت عليه جوبا بالقول إنها ستواجه أي تهديدات ضد أراضيها برد قوي.
وإزاء التوتر الداخلي بجنوب السودان تباينت المواقف الإقليمية، فقد بادرت أوغندا إلى نشر قوات عسكرية من أجل مساندة سلفاكير، في خطوة تشبه تماما ما قامت به عام 2013 حين اندلع الصراع بين الطرفين، وهي بذلك لا تخفي انحيازها المطلق للرئيس على حساب نائبه، وقد أثارت خطوتها الحالية بعض الانتقادات الداخلية والخارجية.
وبالمقابل أوفدت كينيا مبعوثا خاصا من رئيسها وليام روتو، هو المعارض ورئيس الوزراء الأسبق رايلا أودينغا، إلى جوبا من أجل البحث عن فرص للتفاوض بين الرئيس ونائبه، ونزع فتيل الأزمة.
وإذا فشلت مساعي التهدئة الإقليمية والدولية، التي صدرت من أطراف مختلفة، فإن الحرب قادمة على الأرجح، ولن تكون هناك منجاة من “الكابوس الإنساني” الذي حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قبل أيام.
وما يزال الحل الآن بيد سلفاكير، فإما أن يختار هذا الثمانيني منطق الهدوء والحوار والحكمة، وإما أن يصر على المضي نحو توتر لا أحد يمكنه التكهن بأفقه ومساره وتداعياته.

spot_img