خطوات متسارعة يخطوها تحالف دول الساحل، المعلن عن إنشائه في 17 من سبتمبر الماضي، بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي دول ثلاث تشترك في الحدود الجغرافية، وفي طبيعة الأنظمة الحاكمة، إذ يحكمها قادة عسكريون أطاحوا عبر انقلابات عسكرية بأنظمة مدنية منتخبة.
كما تشترك البلدان الثلاثة كذلك في مناهضة فرنسا، والتقارب مع روسيا، ويوحدها أيضا التحدي الأمني، المتمثل في النشاط الواسع للجماعات المسلحة على حدودها، وداخل بعض مناطقها.
ورغم أن تحالف “G3″لم يكمل بعد شهره الثالث، فإن نشاطه يتسم بالحركية الدؤوبة، أحدث المؤشرات على ذلك الزيارة الأخيرة لرئيس المجلس العسكري الحاكم في النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني إلى مالي وبوركينا فاسو، وهو أول تحرك له خارج البلاد، منذ أطاح ورفاقه بالرئيس المدني المنتخب محمد بازوم في 26 يوليو الماضي.
وقد هيمن الحديث عن التحالف وأهميته كإطار للتعاون، على مباحثات تياني مع نظيريه المالي العقيد عاصيمي غويتا، والبوركيني النقيب إبراهيم تراوري.
لقد اتخذ هذا التحالف المنبثق عن ميثاق “ليبتاكو – غورما” وهي منطقة مشتركة بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وتعرف كذلك بمنطقة الحدود الثلاثية، بعدا عمليا من خلال خوض عمليات عسكرية مشتركة بين جيوش الدول الثلاث، فضلا عن مشاركة النيجر وبوركينا فاسو في العمليات العسكرية التي خاضها الجيش المالي الأسابيع الماضية من أجل السيطرة على مدينة كيدال الاستراتيجية الواقعة بشمال البلاد.
فضلا عن ذلك، فإن التحالف الذي شكل تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو” بالتدخل العسكري في النيجر بعد الانقلاب على بازوم المستمر اعتقاله حتى الآن، الإرهاصات الأولى لتأسيسه، يطمح إلى أن يأخذ بعدا اقتصاديا كذلك.
وهذا لا يخرج عن نطاق التصدي لعقوبات “سيدياو” الاقتصادية المفروضة على النيجر، وبدرجة أقل على مالي وبوركينا فاسو، مع استمرار تعليق عضوية الدول الثلاث في هذا التكتل غرب الإفريقي النشط.
فقد أوصى وزراء الاقتصاد والتجارة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، الذين اجتمعوا قبل أيام في باماكو بإنشاء شركة خطوط جوية مشتركة، وأعلنوا عن إنشاء بنك مشترك للاستثمار في الفترة المقبلة، فضلا عن بحث إمكانية إنشاء اتحاد مالي ونقدي.
ويعكف خبراء على إعداد نصوص قانونية وإنشاء هيئات وتحديد طرق عملها، في إطار التحالف الثلاثي، الذي قد يشكل تهديدا لمستقبل بقاء مجموعة دول الساحل الخمس، خصوصا إذا انسحبت منها النيجر وبوركينا فاسو على غرار مالي التي انسحبت قبل أشهر.
ويأخذ التحالف الجديد القريب من روسيا، على التحالف القديم – الذي تأسس عام 2014 بنواكشوط، حيث يوجد الآن مقر أمانته العامة، ومقر كلية الدفاع التابعة للمجموعة – كونه مقربا من فرنسا، التي تم طردها عسكريا من دول تحالف “ليبتاكو – غورما” في حين أن علاقاتها جيدة مع موريتانيا وتشاد، وهذا يجعل المنطقة أمام تنافس روسي فرنسي بالوكالة.
وقد تجلت طبيعة الحضور الروسي في مالي، من خلال نشر قوة من مجموعة “فاغنر” الروسية، وتقديم مساعدات عسكرية حربية هامة للبلاد.
كما وقعت موسكو مع واغادوغو اتفاقية لبناء محطة نووية في البلد غرب الإفريقي، الذي لا تصل خدمة الكهرباء لسوى ربع سكانه، فضلا عن بحث الطرفين إقامة تعاون عسكري بما في ذلك تدريب جيش بوركينا فاسو.
فيما لم تتبلور بعد طبيعة الحضور الروسي في النيجر، ربما لأن الانسحاب العسكري الفرنسي منها لم يكتمل بعد، ورغم ذلك فإن التعاون بين موسكو ونيامي لن يختلف في الغالب عن التعاون الروسي المالي، والبوركيني.
ولا يستبعد كذلك أن تدعم روسيا التحالف الثلاثي كإطار موحد للدول الحليفة لها في الساحل على حساب فرنسا، ما يعني إمكانية حضور “فاغنر” في النيجر وبوركينا فاسو، وانتشار الشركات الروسية فيهما وفي مالي كذلك.