spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

بين “الدعوة” و “الدعاء” والعيادة”.. هل تقود موريتانيا مبادرة سرية لصلح الجارتين؟

مــدار -أسامة يوسف

ما إن وجه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني دعوة رسمية إلى نظيره الجزائري عبد المجيد تبون لزيارة نواكشوط، حتى بدت الخطوة وكأنها سبقت أوانها، مما دفع بالغزواني إلى محاولة تهدئة الأجواء الإقليمية عبر برقية حملت تمنياته بالشفاء العاجل للملك المغربي محمد السادس، الذي خضع آنذاك لعملية جراحية.

زيارة تبون إلى نواكشوط، والتي جاءت “بدعوة” من ولد الغزواني تعد الأولى لرئيس جزائري منذ أكثر من ثلاثة عقود، وقد وصفت من قبل الصحافة الجزائرية بأنها تأكيد للتفاهم العميق والتنسيق المشترك بين البلدين، فيما أثارت تساؤلات من الجانب المغربي، حيث رأتها الصحف هناك محاولة لتعزيز النفوذ الجزائري في المنطقة.

الزيارة التي جاءت على خلفية تطور ملحوظ في العلاقات التجارية بين الجزائر وموريتانيا، حيث بلغت التجارة المشتركة وفق وزير التجارة الجزائري 414 مليون دولار في عام 2023، بزيادة بلغت 82% عن العام السابق.

بعد مغادرة تبون نواكشوط، أظهرت ردود الأفعال الإعلامية تباينا ملحوظا، حيث نشرت صحيفة هسبريس المحسوبة على المخزن المغربي كاريكاتيرا اعتبرته وسائل الإعلام الموريتانية إساءة مزدوجة لموريتانيا والرئيس الجزائري، هذا التوتر الإعلامي ألقى بظلاله على طبيعة العلاقات الثلاثية في المنطقة، وإن بشكل طغى عليه الصمت الرسمي.

في ظل هذه الأجواء، غادر الرئيس الموريتاني إلى المغرب في زيارة وصفتها الرئاسة بـ”الخاصة”، دون تفاصيل إضافية، لكن سرعان ما اتضحت أبعاد هذه الزيارة من خلال إعلان الديوان الملكي المغربي عن لقاء جمع الملك محمد السادس بولد الغزواني، حيث ناقشا العلاقات الثنائية ومشاريع استراتيجية، من أبرزها أنبوب الغاز والقضايا الأطلسية وفق ذات المصدر المغربي.

لكن رد المكتب الإعلامي للرئاسة الموريتانية المتأخر بطبعه عن مسايرة الأحداث، كان هذه المرة أسرع، حيث وصف الزيارة بأنها زيارة سلام “وعيادة” للملك محمد السادس إثر إجرائه لعملية جراحية ناجحة قبل أسابيع، مؤكدا أن الرئيس أعرب عن سعادته بشفاء الملك، وتمنياته له بدوام الصحة والعافية.

حمل أسلوب البيانين ما حمل في طياته من لغة دبلوماسية..، عن زيارة طغى على مظهرها البعد عن كلما هو رسمي، وإن حملها البعض غازا وطرقا ومشاريع جديدة..

رغم الطبيعة الشخصية للزيارة، التي أُعلن وإن بشكل غير رسمي أنها جاءت للاطمئنان على الحالة الصحية لحرمه التي أجرت عملية جراحية بالرباط، رأى مراقبون أن الغزواني وظفها كمنصة لتعزيز الدور الموريتاني كجسر دبلوماسي بين المغرب والجزائر.

يرى أنصار هذا الطرح أن النقد اللاذع الذي وجهته صحف فرنسية لدور الغزواني في قيادة الاتحاد الأفريقي يشكل دافعا لمساعيه المفترضة لترك بصمة مميزة في المشهد المغاربي المعقد..، يختم بها فترة قيادته للاتحاد.

زيارة الغزواني إلى المغرب تزامنت أيضا مع إعلان شركة مغربية عن خط بحري جديد بين أغادير وداكار، وهو ما عكس سعيا مغربيا رسميا لتجاوز الأراضي الموريتانية، نحو القارة الإفريقية، وطرح تساؤلات ملحة حول الاستراتيجية المغربية تجاه دول الساحل، وغرب أفريقيا، ومدى تأثير ذلك على العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الجارة موريتانيا.

ورغم حرص الغزواني على تجذير مبدأ الحياد الذي تتبناه موريتانيا منذ نهاية حرب الصحراء، فإن غياب تمثيل مغربي عن المؤتمر القاري للتعليم والشباب الذي احتضنته نواكشوط يعكس تحديات هذا التوازن.

وبين دعوة الرئيس الجزائري وعيادة الملك المغرب، تبدو الدبلوماسية الموريتانية أمام اختبار صعب لتثبيت الحياد، وتوسيع الدور الإقليمي، في منطقة تعيش على وقع تنافس محموم بين جارتين، لا يزعجهما شيء أكثر من مشهد مصافحة رئيس موريتاني لإحدى القيادتين أمام أنظار الأخرى.

spot_img