عرفت لائحة المرشحين النهائية للانتخابات الرئاسية الموريتانية الصادرة عن المجلس الدستوري قبول ملفي ترشح النائبين البرلمانيين العيد محمدن، وبيرام الداه اعبيد وهو ما يطرح إمكانية تنازعهما خلال حملتيهما الانتخابيتين للخطاب الحقوقي نظرا لخلفيتيهما الحقوقيتين وانتمائهما لشريحة لحراطين التي عرفت غبنا وتهميشا وعانت فئات عريضة منها من العبودية، وما زالت تعاني من مخلفات كل ذلك الأرث التاريخي.
النائب العيد سبق وأن ترأس الميثاق الوطني للحراطين، وعرف بصفته محاميا لحركة “نجدة العبيد”، الذراع الحقوقي التاريخي لحزب التحالف الشعبي التقدمي الذي يقوده مسعود ولد بلخير، كما أنه تطوع بصفته محاميا عن عديد الحالات التي من ضمنها حالات عبودية.
السياسي الحقوقي كاتب الضبط النائب بيرام الداه اعبيد هو الآخر يرأس منظمة إيرا الحقوقية وقد عرفه الموريتانيون بخطابه الحقوقي المتشنج، والذي أكثر فيه من ذكر شريحة “البيظان” محملا إياها كل مساوئ التاريخ، ومظاهر الغبن والتهميش، والعبودية التي تعاني منها هذه البلاد منذ تأسيسها، قبل أن يتراجع عن ذلك في خطاب حملته الحالية.
عرف بيرام بمعارضته لنظام محمد ولد عبد العزيز، الذي سجن في عهده عديد المرات بسبب مواقف، وتصريحات، صحفية، كما شن هجوما لاذعا على الرئيس الموريتاني الحالي محمد الشيخ الغزواني في السنة الأولى من مأموريته، قبل أن يدخل معه في تحالف غير معلن، قال بيرام في لحظة زهو بذلك التحالف الذي وصفه بعض المراقبين بالغامض، إنه وجد صديقه “اجبر صاحب”، الذي طالما بحث عنه، عرفت علاقة الرجلين في تلك المرحلة الذهبية، تطابقا في وجهات النظر، حيث احتضنت نواكشوط نشاطا حقوقيا إقليميا ترأسه بيرام في قصر المؤتمرات، وسط ترحيب رسمي منقطع النظير، كما دفعت خلالها السلطة كل مستحقات بيرام بصفته كاتب ضبط، والتي قطها نظام ولد عبد العزيز، لمدة عشر سنوات، ليساعد ذلك بيرام وفق تصريح صحفي له على بناء منزل في العاصمة السنغالية داكا، لكن شهر العسل بين بيرام وغزواني لم يطل طويلا، حيث عاد بيرام في السنة الأخيرة إلى سيرته الأولى، وعارض بشدة النظام، موجها له انتقادات لاذعة، استدعت إيقافه من طرف الإدارة العامة للأمن الموريتاني، إثر تصريحات لمح فيها إلى إمكانية حمل السلاح ضد الدولة الموريتانية بعيد الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة.
المحامي والسياسي والنائب البرلماني العيد ولد محمدن عرف بخطابه المعارض الهادئ، حيث تدرج في حزب تكتل القوى الديموقراطية أبرز الأحزاب السياسية المعارضة في موريتانيا، ليصل إلى قبة البرلمان للمرة الأولى مرشحا من طرف الحزب على رأس لائحة نواكشوط، خلال انتخابات 2018، قبل أن يغادر التكتل في نهاية مأموريته البرلمانية الأولى في ظروف وصفت من طرف مراقبين بالغامضة.
سبق لولد محمدن أن ترأس أحد أجنحة ميثاق لحراطين، يعتز أنصاره بخطابه الحقوقي الذي يصفونه بالمتزن، بينما يرى خصومه أن خطاب ظل على الدوام بعيدا كل البعد من وصف الأشياء بمسمياتها الحقيقية.
يلتقي الرجلان في الكثير من المسائل، فقد جمعتهما دهاليز العدالة الموريتانية، وينحدران من نفس المنطقة -منطقة شمامة-، التي منحها ولد الشيخ الغزواني منصب الوزارة الأولى، كما جمعتهما رابطة قيل عنها الكثير مع رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، لكن بعض المراقبين يرى أن ميثاق لحراطين، وأسلوب الخطاب شكلا، القطيعة أو “خبطة الفصالة” كما يقال في المثل الشعبي الموريتاني، بين العيد وبيرام، حيث توجه الأخير لتمرير خطاباته السياسية من بوابة حركته الحقوقية إيرا، قبل أن يصوب سهامه نحو ميثاق لحراطين في خرجاته الإعلامية قائلا إنه “مكب للفشلة والخونة، من شريحة لحراطين”.
يأتي السؤال عن إمكانية سيطرة الأسلوب الحقوقي على خطاب بيرام، والعيد، خلال الرئاسيات في موريتانيا نهاية الشهر الحالي، في ظل عدم إعلان حزب التحالف الشعبي التقدمي الذي يقوده الزعيم التاريخي لنضال لحراطين مسعود ولد بلخير -الذي سيطر الخطاب الحقوقي تاريخيا أسلوبه- عن موقفه من الانتخابات الرئاسية، حيث ظل تموقعه ضمن الخريطة السياسية في السنوات الأخيرة يتسم بشيء من الضبابية، وفق بعض المراقبين، وإن حاول في بعض الأحيان التذكير بمنزلته عبر بعض الخرجات الإعلامية وصفت تصريحاته فيها بالنارية.
يرى بعض المراقبين أن ضبابية موقف التحالف الشعبي التقدمي ساعدت بيرام على اكتساح شريحة لحراطين خلال عشرية ولد عبد العزيز، التي تمكن خلالها بيرام من منازعة مكانة التحالف الشعبي في الساحة السياسية، بخطاب وصف بالتطرف، ذلك الخطاب الذي يرى خصوم الرئيس مسعود أنه سيطر على أسلوبه، بداية المسلسل الديمقراطي في البلاد.
بزغ نجم النائب العيد -الذي سيطرت خلفيته القانونية- السياسي بشكل فعلي خلال الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة، إثر تصدره للائحة الوطنية لحزب “جود” المحسوب على الموالاة، وإن ضم في صفوفه خليطا من المعارضين، جمعتهم الانتخابات التشريعية، وفرقتهم الانتخابات الرئاسية، يقول خصومهم إن المشترك الوحيد بينهم هو وعد قد يكون عابرا من رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو.
تأخر موقف زعيم التحالف الشعبي مسعود ولد بلخير من الانتخابات، والذي يصعب توقعه، وفق بعض المصادر المقربة من الحزب، إلا أنه دعمه لأحد الرجلين قد يشكل تزكية تاريخية لنضاله، تلك التزكية التي تقول المصادر إن بيرام كاد أن يحصل عليها بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث تقرر دمج حركة إيرا في حزب التحالف الشعبي التقدم، قبل أن تقرر قيادة الحزب توقيف ذلك في اللحظات الأخيرة، وإن كان عديد القيادات في حركة إيرا والتحالف الشعبي التقدمي ترى أن الوقت المناسب لإعادة تجسيد ذلك على أرض الواقع هو الآن.
يرى بعض المراقبين أن النائب العيد محمدن ترشح للانتخابات الرئاسية القادمة لتشتيت وتفريق أصوات شريحة”لحراطين”، واستقطاب المغاضبين المنسحبين من حركة إيرا، وهو الذي نازع بيرام ليومين الصدارة في الانتخابات التشريعية الأخيرة قبل أن يتراجع خلفه بخطوات قليلة وفق تعبير أحد المراقبين.
الصحفي السالك زيد قال في تصريح لوكالة مدار إن العيد محمدن لايتنازع الخطاب الحقوقي مع النائب بيرام لأنه قرر دخول معترك رئاسي” بخطاب جامع وشامل لجميع الموريتانيين، وقد أثبت قبوله عند مختلف الشرائح الموريتانية “.
السالك أضاف أن للعيد خلفية حقوقية بصفته محاميا دافع وحرر الكثير من المستعبدين من خلال عمله مع بعض المنظمات الحقوقية على غرار نجدة العبيد، إضافة إلى دفاعه عن بعض الناشطين الحقوقيين بما فيهم النائب بيرام الداه اعبيد وبعض مناضلي إيرا، وفق قوله.
الصحفي والناشط الحقوقي الحسن امبارك قال هو الآخر بأن صراع النائب البرلماني بيرام الداه اعبيد سواء كان في الخطاب الحقوقي أو في أي موضوع آخر هو صراع قائم مع النظام الحاكم وليس مع أي مرشح آخر.
الحسن أضاف بأن خطاب المرشح بيرام الداه اعبيد الحقوقي، والسياسي نابع من رؤيته ومبادئه السياسية، كما أنه نابع من صميم إرادة الشعب الموريتاني وسعيه لبناء دولة المؤسسات.