spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

بوركينافاسو.. هل يكمل تراوري ما تبقى من ولايته؟/ محفوظ السالك

تعكس المحاولة الانقلابية الأخيرة على النقيب إبراهيم تراوري، وهو الذي لم يكمل بعد 100 يوم في السلطة، حقيقة أن العسكري الشاب لا يحظى بكبير تأييد داخل المؤسسة العسكرية، في توليه المنصب بعد الإطاحة نهاية سبتمبر الماضي بالمقدم بول هنري سانداوغو داميبا.

صحيح أن تراوري يحظى ببعض التأييد الشعبي في العاصمة واغادوغو بشكل خاص، وتعهد بعد الانقلاب باحترام الفترة الانتقالية المتفق عليها بين سلفه داميبا، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو”، وهو ما جعله يفلت من عقاب المنظمة الإقليمية، وجعل أيضا كبار العسكريين يغضون الطرف عن توليه سدة الحكم، بل ومباركة بعضهم لذلك.

لكن المحاولة الانقلابية، التي تحدث عنها تراوري قبل أيام خلال اجتماع له مع بعض قادة منظمات المجتمع المدني في بوركينافاسو، تشي بأن الإطاحة به قد تكون فقط مسألة وقت، خصوصا وأنه لم يقم بردة فعل تجاه من حاولوا الانقلاب عليه، والذين قال إنه يعرفهم، ولكنه لا يريد معاقبتهم، وإنما سيسعى للحوار والمصالحة معهم.

ولعل سرعة المحاولة الانقلابية على تراوري، قد تفسر بعدة عوامل، أولها أن تصدي الجيش لهجمات الجماعات المسلحة في ظل الحكم العسكري، مازال ضعيفا كما كان من قبل، وأن النقطة الوحيدة الجديدة، هي دعوة المواطنين للانخراط في حملة تطوع واسعة من أجل القتال إلى جانب الجيش، وبالفعل تم اكتتاب عشرات آلاف المدنيين.

لكن فكرة تطوع المدنيين من أجل القتال إلى جانب العسكريين، بعد إخضاعهم لفترة تدريب لا تتجاوز الأسبوعين – رغم أن ضرها في الغالب أكثر من نفعها – تعود إلى الرئيس المدني السابق روك مارك كريستيان كابوري، الذي تم الانقلاب عليه يناير الماضي، لذات السبب المتعلق بالإخفاق في القضاء على الجماعات المسلحة، التي تسيطر على نسبة 40% من مساحة البلاد.

أما العامل الثاني، فهو أن الزخم الشعبي الكبير الذي حظي به تراوري، وشكل سندا كبيرا له لتولي السلطة، بل ووقف ضد أن يتولاها غيره، لم يتفاعل معه النقيب إبراهيم في المطلب المتعلق بالتحالف مع روسيا بديلا عن فرنسا، وهو المطلب الذي يحظى بتأييد بعض القيادات العسكرية الوازنة، وإن لم تظهر ذلك بشكل صريح.

لقد أظهر تراوري الذي يعتبر رئيس وزرائه المحامي والأستاذ الجامعي أبولينير يواكيم كييليم دي تيمبيلا، أحد المنظرين لنظامه، براغماتية كبيرة في التعامل مع الشريك الفرنسي، فسعى لخيار تعدد الشركاء، دون تفضيل أحد على آخر، لأن البلاد بحاجة لدعم كل الأطراف، ولكن التحدي يكمن في الشركاء متشاكسون، فهل تقبل فرنسا أو روسيا بأن توجد إحداهما إلى جانب الأخرى في نفس البلد الإفريقي؟ بطبيعة الحال الأمر صعب إن لم يكن مستحيلا.

ثم إن تراوري الذي كان أحد أسباب دعوته المدنيين للقتال إلى جانب العسكريين، قلة أعداد عناصر الجيش، وضعف الموارد والوسائل، انخرط في إطار إقليمي جديد هو مبادرة أكرا، وشارك رئيس وزرائه في اجتماعها الأخير بغانا، والذي تم خلاله الاتفاق على نشر قوة عسكرية مشتركة في المنطقة، قوامها 10 آلاف جندي.

وإنصافا لتراوري، فإنه لا يملك- كما غيره مدنيا كان أو عسكريا – حلولا سحرية، تمكن من القضاء على الجماعات المسلحة والنهوض بالتنمية.

وبالتالي فإن من الأفضل للبلاد التأسيس لمرحلة جديدة، تتم فيها القطيعة مع الانقلابات العسكرية، وتوسيع نطاق الشراكات في المجالين الأمني والاقتصادي، من أجل تعزيز قدرات الجيش، والنهوض بالبعد التنموي، الذي تشكل هشاشته، أحد الأسباب وراء انتشار الجماعات المسلحة في بوركينافاسو، وغيرها من بلدان المنطقة.

وبالتالي فإن بوركينافاسو بحاجة إلى سواعد كل أبنائها المدنيين والعسكريين وتضافر جهودهم من أجل مواجهة الخطر المشترك القائم.

 

محفوظ ولد السالك: كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img