لا تعتبر مفردة “الحوار” كلمة غريبة على القاموس السياسي الموريتاني؛ ذلك أن موريتانيا منذ بزوغ نجم الجمهورية الثانية مع بداية المسار الديمقراطي التعددي في بداية تسعينيات القرن الماضي، وكلمة “حوار” حاضرة بقوة في قاموس سياسيي البلد ورؤسائه، أحيانا لتمرير تفاهمات معينة، وأحيانا لعلاج مشكل ظرفي وأحايين كثيرة للمراوغة والاستهلاك السياسي فقط؛ ففي أي هذه المسارات سيجد الحوار السياسي المرتقب نفسه ؟.
حوار 2025.. أولى الخطوات
وفي خطوة مفاجئة وتماشيا مع ما يصفه النظام الحاكم في موريتانيا بتنفيذ تعهدات الرئيس ولد الغزواني في الانتخابات الرئاسية الماضي؛ أعلن هذا الأخير بداية شهر مارس الماضي، عن اختياره للسياسي موسى افال منسقا للحوار المرتقب.
وحدد ولد الغزواني لقادة وممثلي التشكيلات السياسية في لقاء بنواكشوط، ثلاثة مجالات طلب منهم تقديم تصوراتهم فيها، وتسليمها لمنسق الحوار.
وقال ولد الغزواني إن المجال الأول هو لجنة الحوار مع مراعاة أن تضمن أوسع تمثيل لكل الموريتانيين، أما المجال الثاني فهو آلية الحوار، والمجال الثالث هو مواضيع الحوار.
حوار أم تشاور؟
غزواني وفي لفتة أعادت للواجهة النقاش حول مدى جدية الحوار المنتظر، وعلاقته بالحوارات السابقة؛ وصف الحوار الجديد بأنه “سيكون امتدادا واستمرارا للحوار الذي جرى 2022، وتولى تنسيقه آنذاك الوزير الأمين العام للرئاسة يحي ولد أحمد الوقف، وتم تعليقه بشكل مفاجئ ولأجل غير مسمى”.
وتجاهل ولد الغزواني في كلمته خلال حفل اختيار موسى افال، الحوار الذي أجرته الداخلية بعد ذلك وتركز على موضوع الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية، مكتفيا بالتأكيد على ضرورة أن تشمل هذه المواضيع مواضيع تم نقاشها في حوارات سابقة، إضافة للمواضيع التي لم يتم نقاشها خلالها، أو كان يتم تحاشيها في إشارة إلى موضوع الإرث الإنساني.
موسى افال منسقا للحوار.. أولى الخطوات
استهل موسى افال مهمته بعقد سلسة من اللقاءات مع الطيف السياسي، افتتحها بإقامة مأدبة إفطار في 17 من مارس الماضي، اي بعد أسبوع من تعيينه، على شرف رئيس تحالف المعارضة المنافحة ضد النظام بيرام الداه اعبيد.
ووصف اللقاء حينها بأنه يدخل في سياق “محاولة تمهيد الطريق للحوار المرتقب”
بعد يومين من لقائه بيرام الداه اعبيد، استمع موسى افال في لقاء آخر، إلى ما وصفه رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” حمادي ولد سيدي المختار بممهدات وضمانات حوار، والتي “يجب أن تكون ضمن مرحلة تمهيدية لتهيئة الحوار وضمان نجاحه”، فيما قدم منسق الحوار عرضا أمام وفد قيادي من حزب “تواصل” تطرق خلاله لشرح مهمته خلال المرحلة الحالية.
لقاءات ولد افال التي خلال أغلبها أسئلة تتعلق بالحوار على أن يرد عليها، لم تتوقف على الأحزاب السياسية فقط، بل شملت مشاريع احزاب وهيئات من المجتمع المدني، ومنظمات شبابية، وهيئات حقوقية.
الأغلبية الحاكمة والموقف من الحوار
أحزاب الأغلبية بادرت بتقديم أجوبتها على أسئلة منسق الحوار، واختارت أن تعلن عن ذلك بشكل متزامن، مما اعتبره بعض المراقبين محاولة لتوجيه رسالة من داخل الأغلبية مفادها أن الأحزاب الداعمة لولد الغزواني تقف بجد خلف خياراته بخصوص الحوار المرتقب.
وقال رئيس حزب الإنصاف الحاكم سيد أحمد ولد محمد، إن الأغلبية ارتأت أن ترد بشكل جماعي على الرسالة التي وجهها المنسق الوطني للحوار عن رؤيتها حول القضايا الأساسية الضرورية من أجل تنظيم حوار سياسي على أحسن وجه.
رسالة واتسابية تثير الجدل
منسق الحوار موسى وبعد استلام مقترحات بعض الأحزاب السياسية والهيئات المدنية بخصوص الحوار، عمد في خطوة أثارت جدلا واسعا إلى إرسال وثيقة بوصفها “ملخصا أوليا مؤقتا لخارطة طريق الحوار”، إلى عدد من رؤساء وممثلي التشكيلات السياسية على تطبيق “الوتساب”.
رسالة “الواتساب” التي أراد لها افال أن تحمل رؤيته حول خارطة طريقة الحوارات حملات رسائل سياسية يصفها البعض بالسلبية حيث أبانت عن عدم الجدية في التعاطي مع الشركاء، بحسب البعض.
الرسالة التي يبدو أنها أُرسلت بصيغة “التوجيه الجماعي” لتصل رؤساء الأحزاب بشكل متزامن، أعادت أيضا التساؤلات حول طرق التعاطي الرسمي مع المواضيع المهمة والتي يفترض أن يتم نقاشها في فضاء من الجدية والرسمية، وفقا للبعض.
أما فنيا فقد أثارت الرسالة سؤالا آخر لايقل أهمية، مفاده ما الذي يمنع منسق الحوار من إنشاء مجموعة واتسابية لرؤساء وممثلي الأحزاب؟، مادامت الواتساب هو الوسيلة المتاحة لإيصال الرسائل الرسمية المتعلقة بحوار يعول عليها الموريتانيون للخروج من عنق الزجاجة !
أطراف سياسية عدة عبرت “عن استغرابها واستهجانها لإرسال وثيقة بهذه الأهمية عبر تطبيق مراسلات، وبعيدا عن أي قواعد أو أساليب رسمية في المراسلة”.
وثيقة الواتساب.. الفحوى؟
الوثيقة أثارت الجدل بسبب آلية إرسالها، تضمنت وفقا لما أوردت وكالة الأخبار المستقلة، مواضيع الحوار، وأبرزها “العبودية وممارساتها ورواسبها، والإرث الإنساني والملفات الحقوقية العالقة، وترقية التنوع الثقافي، ومراجعة الإطار الديمقراطي والانتخابي، وتمكين الفئات الهشة وضمان تكافؤ الفرص، وتحسين الحوكمة عبر مكافحة الفساد، وتعزيز النزاهة، وترشيد الإنفاق العام، وتحديث الإدارة وتحسين مناخ الأعمال”.
كما تضمنت مقترحا بالمشاركين في الحوار، وهم “الأحزاب السياسية المعترف بها، وقيد الاعتراف، والمترشحون السابقون للرئاسيات، وشبكات منظمات المجتمع المدني، وشخصيات مستقلة، وممثلون عن الجاليات الموريتانية في الخارج”.
ولضمان نجاح الحوار المرتقب، اقترحت الوثيقة منهجية من ضمنها اعتماد خارطة طريق توافقية لإدارة عملية الحوار، وإنشاء لجنة إشراف على الحوار تشمل كافة الأطراف، وتنظيم الحوار على شكل ورشات حول المحاور المتّفق عليها، كما اقترحت تعيين فريق من المنسّقين لقيادة وتسهيل الورشات، وتحديد مسيرين / وسطاء لتقريب وجهات النظر والمساعدة في بناء التوافق، وتعيين مقررين لكل محور، واعتماد المخرجات / التوصيات بناء على التوافق، وتنظيم الجلسات الكبرى للحوار تحت رعاية الرئيس.