لطالما شكلت الهجرة غير النظامية وتنظيم دخول الأجانب وأبعادهما الأمنية والاجتماعية والاقتصادية هاجسًا لموريتانيا والسنغال، اللذين يرتبطان بعلاقات تاريخية واقتصادية وسياسية وتجارية وتعليمية.
ويتقاسم البلدان حدودا برية وبحرية، ويجمعهما التاريخ والدين والعيش المشترك.
تطور في مسار العلاقات
ففي خطوة وصفت بالتطور النوعي في مسار العلاقات الثنائية، وتعزيز آليات التكامل الإقليمي، وتجاوز إشكال الهجرة غير النظامية وتعقيداته المتعددة؛ توصلت داكار ونواكشوط بحر الأسبوع الحالي، لاتفاقيتي تعاون أولاهما حول مكافحة الهجرة غير النظامية، وثانيهما لتنظيم شروط الدخول العادي القانوني والاقتصادي لمواطني البلدين.
ونصّت الاتفاقية الأولى على وضع حد للمعاناة والانتهاكات والجرائم المرتبطة بالاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، التي تستغلّ هشاشة الفئات الأكثر ضعفًا، كما تعزز القدرة المشتركة على الوقاية من العمليات الإجرامية.
أما الاتفاقية الثانية فتسرد شروط الدخول والإقامة والتنقل العادي والاقتصادي، في محاولة لتقنين العلاقة الحدودية التي تأثرت سلبًا خلال السنوات الماضية، وتحديدًا فيما يتعلق بدخول المواطنين بالبطاقات الوطنية فقط، وهي المسألة التي ظلت محل نقاش منذ إعلان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني عن مطالب من السنغال ومالي بمراجعة بنودها، وتأكيده أن موريتانيا كانت تُعيق تلك المراجعة حتى الآن.
إشادة من الجانبين
هذه الخطوة حظيت بإشادة من مسؤولين سنغاليين وموريتانيين، حيث عبروا عن ارتياحهم وإشادتهم بالاتفافيتين الموقعتين.
وقال وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوگ بعد توقيع اتفاقيتي الهجرة وإقامة المواطنين، إن التنقل والحركية بين البلدين “شكّلا سمة أصيلة في مجتمعاتنا، وعاملا من عوامل الصمود الاجتماعي.”
وأشار إلى أن توقيع الاتفاقيتين “ثمرة حوار صريح متواصل ورصين متبادل بين إدارات البلدين” وعدّه “تقدما عمليا واستراتيجياً في إدارة التحديات المشتركة المرتبطة بالهجرة والتنقل عبر الحدود.”
وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قالت عقب التوقيع «إن الاتفاقيتين «تشكلان إطارًا تشريعيًا واضحًا سيمكن من محاربة الهجرة غير النظامية بشكل منسق، ويمنح المواطنين حرية الحركة في إطار احترام القانون.
الخلفيات
يأتي توقيع الاتفاقيتين بعد نحو 3 أشهر على إطلاق السلطات الموريتانية عملية ترحيل واسعة النطاق استهدفت المهاجرين غير النظاميين والمقيمين بطرق غير قانونية، من ضمنهم مواطنون سنغاليون، وما تبعها من تحركات دبلوماسية من دول الجوار، وفي مقدمتها السنغال ومالي وغامبيا.
عتب سنغالي وتفهم مالي
وأثار ترحيل المواطنين السنغاليين موجة غضب لدى مسؤولين سنغاليين، تحدثوا عن ظروف غير إنسانية شابت ترحيل مواطنيهم، وزارت على إثرها وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فاي موريتانيا لبحث الأزمة.
كما أوفدت عدة دول إقليمية وزراء خارجيتها إلى موريتانيا لنقاش الملف مع السلطات الموريتانية، وخصوصا السنغال، ومالي، وغامبيا.
مالي كانت من بين الدول الأكثر تفهما للخطوة التي اتخذتها نواكشوط، وعبر بعض مسؤوليها عن تفهمهم لدوافع ومبررات الخطوة.
ويرى بعض المراقبين أن هذه الاتفاقيات من شأنها أن تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الحدودي المنظم، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية المتنامية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا.
فهل تطفئ هذه الاتفاقيات التوترات المرتبطة بملف الهجرة غير النظامية خلال الأشهر الأخيرة؟.