لا يحمل انسحاب النيجر وبوركينا فاسو من مجموعة دول الساحل الخمس، مفاجأة كبيرة لأنه كان منتظرا إلى حد كبير، منذ أن انسحبت مالي من هذه المجموعة، وتأكد ذلك أكثر بعد تأسيس البلدان الثلاثة تحالف دول الساحل.
فالدول الثلاث في قطيعة مع كل ما يمت بصلة لفرنسا، واستراتيجية بقاء أنظمتها العسكرية في السلطة، قائمة في جزء كبير منها على الخطاب المناهض للمستعمر السابق، وهي تنظر إلى مجموعة دول الساحل الخمس كصناعة فرنسية، رغم أن تحالفها الثلاثي ينظر إليه أيضا كصناعة روسية.
لكن المثير للانتباه حقا هو التوقيت الذي جاء فيه هذا الانسحاب، حيث يسبق بأيام قليلة قمة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ستحتضنها العاصمة أبوجا، في ظل استمرار العقوبات القاسية التي تفرضها على النيجر، على خلفية الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المدني المنتخب محمد بازوم في 27 يوليو الماضي.
وبالتالي، فإن انسحاب البلدين من مجموعة دول الساحل الخمس فيه رسالة مباشرة لسيدياو، إذا لم ترفع عقوباتها عن النيجر، وتتغاض عن عدم تحديد المجلس العسكري الحاكم في مالي موعدا جديدا للانتخابات الرئاسية، بعد تأجيلها إلى أجل غير مسمى، وكذا أيضا عدم إحراز بوركينا فاسو تقدما يذكر بشأن خارطة المسار الانتقالي المتفق عليها مع المجموعة غرب الإفريقية، إذا لم يتم كل ذلك فإن الدول الثلاث ستنسحب منها.
وقد تسعى هذه البلدان للتنسيق مع غينيا كوناكري من أجل انسحاب رباعي من سيدياو، في حال فرضت عقوبات جديدة على باماكو وواغادوغو، ولم تلغ عقوباتها عن نيامي.
لقد مهدت النيجر وبوركينا فاسو لانسحابهما من مجموعة دول الساحل الخمس، بتشكيلهما تحالفا ثلاثيا مع مالي قبل أزيد من شهرين، ومهدت الدول الثلاث للخطوة المتوقعة إزاء سيدياو، بنقاشها مؤخرا إنشاء شركة خطوط جوية مشتركة، وبنك مشترك للاستثمار، فضلا عن بحث إمكانية إنشاء اتحاد مالي ونقدي.
إن كل هذه الخطوات لها طابع اقتصادي، يحيل إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والاتحاد الاقتصادي والنقدي التابع لها، وقد سبقها من قبل تشكيل الدول الثلاث تحالفا عسكريا في مواجهة تهديد سيدياو بالتدخل العسكري في النيجر لإعادة بازوم إلى السلطة.
وقد نجحت هذه البلدان في جعل سيدياو تستبعد التدخل العسكري – وإن لم تعلن ذلك صراحة – بل إن سقف مطالبها تراجع إلى مستوى الدعوة للإفراج عن بازوم والسماح له بالعيش في بلد آخر، مقابل رفع عقوباتها الاقتصادية، وهو ما يلقى حتى الآن رفضا من عسكريي نيامي.
ويبقى محل ترقب كيف سترد سيدياو على هذا التلويح غير المباشر؟ هل تتراجع عن عقوباتها المفروضة على النيجر، أم تخففها فقط؟ أم أنها تسير في اتجاه إبقائها إلى غاية الإفراج عن بازوم؟ ونفس الأمر بالنسبة لمالي وبوركينا فاسو هل ستصعد ضدهما أم تبقي الوضع على ما هو عليه؟
وتبقى كل هذه الأسئلة واردة في انتظار ما بعد قمة العاشر من دجمبر الجاري لمعرفة أيها الأرجح، لكن ما لا شك فيه هو أن انسحاب البلدان الثلاثة من مجموعة دول الساحل الخمس بات أمرا واقعا، وغير قابل للتراجع.
وبذلك أضحت مجموعة دول الساحل مقتصرة على عضوين فقط هما موريتانيا وتشاد، وهنا يثار التساؤل بشأن مستقبل المجموعة ما بعد هذا الانسحاب، هل تكون هذه نهايتها؟ أم أنها تفتح الباب أمام أعضاء جدد، وبالتالي تحافظ على بقائها؟
وفيما تبقى كل الاحتمالات قائمة، بادر رئيسا البلدين المتبقيين بالمجموعة، الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني وتشادي محمد إدريس ديبي إلى عقد لقاء ثنائي على هامش مؤتمر “كوب 28” بدبي، لكن لم ترشح عنه أي تفاصيل.
ولعل الرئيسين ينتظران حلول الذكرى التاسعة لتأسيس المجموعة، المرتقبة في 19 من الشهر الجاري للكشف عن مصيرها النهائي.