أدى الرئيس الغاني جون ماهاما زيارة لمالي استمرت 24 ساعة، ناقش خلالها مع الرئيس الانتقالي للبلاد الجنرال عاصيمي غويتا، بالإضافة لملف العلاقات الثنائية بين أكرا وباماكو، والسعي لتعزيزه على الصعيدين الاقتصادي والأمني، موضوع العلاقات بين تحالف دول الساحل، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
وتحدث ماهاما الذي يبدي منذ توليه السلطة تقاربا لافتا مع مالي والنيجر وبوركيناوفاسو، عن انعدام الثقة بين التحالف الثلاثي والمجموعة غرب الإفريقية، داعيا إلى ضرورة تصحيح ذلك.
وحث الرئيس المنتخب، الذي عيَّن شهر يناير الماضي مبعوثا خاصا إلى الدول الثلاث التي تحكمها أنظمة عسكرية استولت على السلطة بالقوة، على ضرورة إقامة حوار بنَّاء بين سيدياو والدول المنسحبة منها.
لكن الرئيس المالي الذي يرأس دوريا تحالف دول الساحل، لا يمانع في الحوار والتفاهم، وإن أشار إلى أن العودة لحضن المنظمة غير مطروح للنقاش، وهي مهمة فشل فيها قبل ماهاما رئيسا السنغال وتوغو.
ورغم أن الرئيس الغاني لم يكلف رسميا بمهمة الوساطة بين الطرفين، إلا أنه اقترح نفسه للقيام بها قبل أيام خلال مباحثات له في أبيدجان مع نظيره الإيفواري الحسن واتارا.
وبحثا عن إحداث اختراق في الموقف المتصلب لبلدان تحالف دول الساحل، سيزور الرئيس الغاني كذلك النيجر وبوركينا فاسو، للتباحث مع رئيسيهما بشأن ملف العودة إلى سيدياو.
إن علاقات واغادوغو، ونيامي، وباماكو، مع أكرا تمر حاليا بإحدى أزهى فتراتها، بعدما عكرها الموقف الغاني من الانقلابات العسكرية، وانخراط البلاد في تطبيق العقوبات المفروضة على القادة العسكريين وعلى بلدانهم من طرف سيدياو.
وقد ظل التوتر قائما حتى بعد رفع العقوبات، إذ بقي الرئيس الغاني السابق نانا أكوفو أدو متمسكا بموقفه المناهض للانقلابات العسكرية، واتخاذها وسيلة للإطاحة بالرؤساء المدنيين المنتخبين.
لكن انتخاب المعارض جون ماهاما رئيسا لغانا، فتح صفحة جديدة في العلاقات، فقد بادر قادة هذه الدول إلى تهنئته والتعبير عن الاستعداد لتعزيز العلاقات مع بلاده.
وترجمة لذلك الاستعداد عرف حفل تنصيبه حضور الرئيس الانتقالي لبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري، فيما مثل الرئيسان الانتقاليان النيجري الجنرال عبد الرحمن تياني والمالي الجنرال عاصيمي غويتا، من طرف وزيريهما الأولين تواليا علي محمد الأمين زين، والجنرال عبد الله مايغا، الذي عاد إلى أكرا لاحقا حاملا رسالة خطية إلى جون ماهاما.
ورغم بوادر التقارب الكبير، إلا أن مهمة عودة هذه الدول إلى سيدياو ستكون شبه مستحيلة، ذلك أن القادة العسكريين بنوا على التوتر مع المنظمة الإقليمية وعدد من دولها، سردية عززت إلى جانب أبعاد أخرى مختلفة بقاءهم في السلطة والتفاف الشعوب حولهم، فبالنسبة لهم وكما أكدوا ذلك في رسالة إعلان انسحابهم المشترك، فإن سيدياو فرضت على بلدانهم “عقوبات لا إنسانية ولا قانونية ولا شرعية”، وتدخلت في شؤونها الداخلية، كما أنها لم تساعد بما يكفي في التصدي للجماعات المسلحة، فضلا عن اتهامها بالتبعية لفرنسا وتحكم باريس في قراراتها.
وانسجاما مع “السيادة” و”التحرر” وغيرهما من الشعارات التي يرفعها الحكام العسكريون، أسس الجنرالان والنقيب تحالفا ثلاثيا “مستقلا”، رغم اتهامه هو الآخر بالتبعية لروسيا، وأقاموا كونفدرالية توحد جهودهم في مختلف المجالات خصوصا الأمنية والاقتصادية والثقافية.
وقد انشغل العسكريون وشغلوا شعوبهم بالتوترات مع الدول والمنظمات، ونعْتها بالتبعية لفرنسا التي باتت خصمهم الرئيسي بعد أن كانت الحليف الأساسي لبلدانهم على مدى عقود، وباتوا يؤكدون في شبه إجماع ثلاثي رسمي بأنه لا انتخابات رئاسية قبل إحلال السلم والأمن في بلدانهم.
وقد أسهم هذا الربط بين الأمن والاقتراع، في إبقاء غويتا رئيسا لمالي منذ يونيو 2021، وتراوري رئيسا لبوركينا فاسو منذ اكتوبر 2022، وتياني رئيسا للنيجر منذ أواخر يوليو 2023.
ولم يحدد هؤلاء العسكريون أي موعد للانتخابات الرئاسية،
وهو ما يعني أن أي تراجع لهم خطوة إلى الوراء بشأن أي موقف اتخذوه سيضعف استراتيجيتهم، ويحرجهم أمام الشعوب، بل ويجعلها مستعدة لأن تثور في وجهوهم في أي لحظة، لتصبح بعدها الإطاحة بأنظمتهم مسألة وقت فقط.
وتفاديا لحصول كل ذلك، فإن جون ماهاما لن يغنم من مساعيه سوى الرضا بأمر الواقع والتطبيع معه، وتعزيز العلاقات مع الدول الثلاث.
المهمة المستحيلة للرئيس الغاني جون ماهاما
