spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

المسارات الانتقالية الإفريقية بين النجاح والتعثر

الانقلابات العسكرية أيا كانت طبيعتها، دموية أو غير ذلك، ناعمة أو خشنة، مباشرة أو غير مباشرة، لا بد أن تكون محل رفض وإدانة، لأنها تقوض الديمقراطية، ولا تسمح بأي تراكم في البناء، فكل انقلابي يلعن من قبله، ويمسح الطاولة، ويَعد ويُمني بتحقيق ما لم يحققه الأوائل.
وقد شهدت إفريقيا منذ الاستقلال أكثر من 200 انقلاب عسكري، غطت نحو 90% من بلدان القارة، ما يعني أن قلة قليلة من الدول هي التي سلمت من هذه الآفة، وبعضها عرف محاولات انقلابية لكنها باءت بالفشل.
ومنذ 2020، عرفت إفريقيا 9 انقلابات عسكرية، مر بعضها بهدوء، وما يزال بعضها الآخر يمر بمصاعب داخلية وخارجية نتيجة المسار الذي اتخذه الحكام العسكريون.
فقبل يوم واحد تم في العاصمة الغابونية ليبرفيل تنصيب الجنرال بريس أوليغي نغيما رئيسا للبلاد، بعد قيادته فترة انتقالية، امتدت من أوائل سبتمبر 2023 حيث أدى اليمين بعد 5 أيام على إطاحته ورفاقه بالرئيس المدني علي بونغو أونديمبا، وانتهت بتنظيم انتخابات رئاسية في 12 من أبريل 2025.
وهكذا استمرت الفترة الانتقالية الغابونية 19 شهرا، نظمت خلالها البلاد استفتاء على دستور جديد، وأجرت انتخابات رئاسية، وحددت موعدا لتنظيم انتخابات محلية وتشريعية.
ورغم أن الانتخابات في مثل هذه الحالات غالبا ما تكون وفقط وسيلة لإبقاء العسكر في السلطة، إلا أنها على الأقل تنهي الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وتفتح الباب أمام التعاون الإقليمي والدولي معها، وتتيح – ولو يسيرا – للمدنيين المشاركة، رغم هامشية مستوى الحضور والتنافس بفعل التحكم المسبق في المنظومة القائمة.
وتشبه الغابون في مسارها إلى حد كبير دولة تشاد، رغم بعض الاختلافات، فقد تولى الجنرال تشادي محمد ديبي السلطة إثر إعلان مقتل والده المشير إدريس ديبي إتنو في 20 أبريل 2021، وقاد فترة انتقالية أولى مدتها 16 شهرا، ثم مددها لسنتين، وأجرى انتخابات رئاسية في 6 مايو 2024، أبقته في السلطة بعد الفوز بنسبة 61%.
وبعد أشهر قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية، نظمت تشاد انتخابات تشريعية، وقبل ذلك أجرت استفتاء دستوريا في نهاية العام 2023، وأصبحت بذلك أول دولة تعود إلى الحكم الدستوري عبر صناديق الاقتراع، من ضمن البلدان الإفريقية التي تحكمها مجالس عسكرية وصلت السلطة عبر انقلابات على الحكام المدنيين.
وتحاول غينيا كوناكري أن تكون الثالثة ترتيبا، من حيث العودة إلى المسار الدستوري، بعد تشاد والغابون، رغم المسار المتعثر، فقد حدد المجلس العسكري برئاسة الجنرال مامادي دومبويا الحاكم منذ الإطاحة في 5 سبتمبر 2021 بالرئيس المدني ألفا كوندي، 21 سبتمبر 2025 موعدا لإجراء استفتاء دستوري، وينتظر بعد ذلك أن يتم تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية.
وبالمقابل، تشهد دول أخرى مسارات انتقالية ضبابية الأفق، اتجهت إحداها وهي السودان إلى حرب مدمرة سببها خلاف بين رئيس المجلس الانتقالي قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
وقد دخلت حرب الجنرالين عامها الثالث، متسببة في مقتل وجرح عشرات الآلاف، وتشريد الملايين بين نازح ولاجئ، وتدمير واسع للاقتصاد والتنمية في البلاد.
وفي خانة أخرى من ضبابية المسار توجد مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، فبالنسبة لمالي كانت أولى بلدان القارة التي عرفت انقلابا عسكري خلال السنوات الخمس الأخيرة، حينما انقلب الجيش على الرئيس المدني الراحل إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس 2020، ثم في 2021 حصل انقلاب آخر من داخل المجلس العسكري الانتقالي، وتولى العقيد – الذي أصبح جنرالا فيما بعد – عاصيمي غويتا الرئاسة.
وقبل أيام أوصت مشاورات وطنية في باماكو، بتعيين غويتا رئيسا للجمهورية لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد، وبحل جميع الأحزاب السياسية، كما أوصت بتعليق الانتخابات إلى حين عودة الاستقرار لمختلف ربوع البلاد، التي تعاني من هجمات مسلحة منذ العام 2012.
وهي ذاتها الخطوة التي اتخذتها النيجر، ففي 26 مارس الماضي تم تنصيب الجنرال عبد الرحمن تياني رئيسا للجمهورية لولاية من 5 سنوات قابلة للتجديد بناء على توصيات حوار وطني.
ويتولى هذا الجنرال الذي تمت ترقيته إلى فريق، السلطة منذ انقلب ورفاقه على الرئيس المدني محمد بازوم في أواخر يوليو 2023.
وفي بوركينا فاسو، اتفق المشاركون في حوار وطني عقد خلال 2024، على تمديد حكم النقيب إبراهيم تراوري 5 سنوات إضافية، وهو الذي يتولى السلطة منذ 30 سبتمبر 2022 إثر انقلاب على العقيد بول هنري سانداوغو داميبا، بعد 8 أشهر على إطاحته بالرئيس المدني روك مارك كريستيان كابوري.
وتؤكد الأنظمة العسكرية الحاكمة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المنخرطة معا في تحالف ثلاثي يعرف بتحالف دول الساحل، أنها لن تجري أي انتخابات ما لم يحل الأمن بكامل أرجاء البلدان، وهو ما يعني أنها ستبقى في السلطة لفترة طويلة، إذا لم تطح بها انقلابات عسكرية لاحقة.

spot_img