زار وفد تركي رفيع ضم وزراء الخارجية، والدفاع، والطاقة والموارد الطبيعية، إضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات، ورئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التابعة للرئاسة، ومساعد وزير التجارة، دولة النيجر قبل أيام، في أحدث مؤشر على تنافس تركيا على منطقة الساحل الإفريقي، بعد طرد القوات الفرنسية والأمريكية منها.
ومن خلال طبيعة أعضاء الوفد، يتضح أن اهتمام تركيا بالنيجر، يتركز على البعدين العسكري، والطاقي، فالبعد الأول تفرضه أولوية التحدي الأمني الذي يواجه البلاد منذ نحو عقد من الزمن.
وسبق لتركيا أن ركزت على البعد العسكري في علاقاتها مع النيجر، قبل انقلاب يوليو 2023، فقد أعلنت رئاستا البلدين في نوفمبر 2021، إثر مكالمة هاتفية بين الرئيس النيجري حينها محمد بازوم، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، أن نيامي ستشتري طائرة مسيرة من طراز “تي بي2″، وطائرة تدريب من نوع “هوركوش”، فضلا عن آليات مدرعة، من أنقرة بهدف تعزيز قدراتها العسكرية والأمنية.
وبعد الانقلاب العسكري على بازوم، شكلت تركيا إحدى ثلاث دول كبرى تحالف النظام الانتقالي برئاسة الجنرال عبد الرحمن تياني معها ضمن خارطة الشراكات الجديدة، والبلدان الآخران هما روسيا وإيران.
وفي هذا الإطار زار رئيس وزراء النيجر علي محمد الأمين زين تركيا مطلع شهر فبراير الماضي بدعوة من الرئيس أردوغان، والتقى عددا من المسؤولين الأتراك، وكان الدفاع والأمن ضمن ملفات التعاون الرئيسية التي تم المباحث حولها.
وفيما يخص البعد الطاقي، فإن النيجر دولة غنية باليورانيوم، وتسعى لإنتاج النفط والغاز، وهذا يجعلها تمتلك ثروة هامة تتنافس عليها القوى الدولية خصوصا الصناعية.
ولذلك فإن تركيا تهتم بأن يكون لها تعاون استراتيجي في هذا الجانب، وقد وقع الجانبان خلال زيارة الوفد الوزاري التركي مؤخرا لنيامي، على “إعلان نيات” بشأن التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي، بما يمهد الطريق للشركات التركية من أجل تطوير حقول النفط والغاز الطبيعي في النيجر.
وفي الواقع فإن تركيا لها حضور منذ سنوات في نيامي،
وفازت بعديد العقود والصفقات، بينها عقد بقيمة 152 مليون أورو لتحديث مطار العاصمة، وعقود أخرى بقيمة 50 مليون أورو لإقامة فندق فخم، وكذا 38 مليون أورو لمقر وزارة المالية النيجيرية في قلب العاصمة.
وفي 2019، أنشأت تركيا مستشفى بقيمة 100 مليون أورو في منطقة “مارادي” بالوسط الجنوبي، والتي تعد ثالث أكبر مدينة في البلاد، وتقع قرب الحدود مع من نيجيريا.
إن البعدين العسكري والاقتصادي، يشكلان مدخلا رئيسيا لعديد القوى المتنافسة على بلدان الساحل، خصوصا التي شهدت سلسلة انقلابات عسكرية منذ العام 2020، أعادت رسم خارطة تحالفات جديدة، عوضا عن التحالفات القديمة التقليدية.
وضمن مجال أشمل يتجاوز منطقة الساحل، وقعت تركيا اتفاقيات مع أزيد من 25 بلدا إفريقيا في قطاعي الدفاع والأمن، كما أجرت تدريبات أمنية في أكثر من 10 دول بالقارة، وتوجد لديها قاعدتان عسكريتان، إحداهما في الصومال وبها نحو 2000 عسكري، والأخرى في ليبيا ويوجد بها عشرات العسكريين إضافة لبعض المسيرات والعربات المدرعة.
وتمتلك تركيا 37 مكتبا عسكريا في إفريقيا، وقد ارتفعت صادراتها العسكرية إلى القارة، عام 2021 من 41 مليون دولار إلى 328 مليون دولار.
وعلى الصعيد الاقتصادي والتجاري، انتقل حجم المبادلات التجارية بين تركيا وإفريقيا من 3 مليارات دولار عام 2003 إلى 26 مليار دولار سنة 2021.
وتستورد تركيا نسبة 90% من احتياجاتها من النفط والغاز بقيمة 42 مليار دولار سنويا من القارة الإفريقية، التي تمتلك 10% من الاحتياطي العالمي للنفط.
وفضلا عن هذه الأبعاد التي تشكل محددات رئيسية لعلاقات تركيا بإفريقيا، فإن التعليم كذلك حاضر بقوة، حيث توجد لدى أنقرة 140 مدرسة ومؤسسة بالقارة الإفريقية، تستقبل 17 ألف طالب، بينما يدرس 60 ألف طالب إفريقي في مدن تركية مختلفة.