spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

“الثلاثاء الأسود”.. هل يتحول الفساد في موريتانيا من “فأل خير” إلى لعنة على أصحابه؟

كثيرا ما تثار قضايا الفساد في موريتانيا، لكنه نادرا ما يصبح الفساد لعنة على أصحابه، بل قد يتحوّل في أحايين كثيرة إلى “فأل خير” ومفتاح سلس للمكافآت والترقيات؛ حقيقة هزّها يوم “الثلاثاء الأسود” الموريتاني، كما هزّ نظيره الأميركي قبل نحو قرن من الزمن بورصة وول ستريت!

تعيينات جديدة وإعفاءات كبيرة، وإحالة للقضاء، وخطابات رسمية منددة، تلكم هي أبرز ملامح “الثلاثاء الأسود” الذي قرر فيه الرئيس الموريتاني أخيرا الاصطدام مباشرة بالمفسدين بعد سنوات من محاولات “خلقنة” التعاطي مع قضايا الفساد، فمن أين بدأت القصة؟

تقرير محكمة الحسابات.. الزوبعة الأولى

كانت الشرارة الأولى لواحد من أكبر ملفات الفساد في موريتانيا، حين قررت محكمة الحسابات نشر تقريرها لسنتي 2022-2023، بعد أن سلمت الرئيس ولد الغزواني نسخة منه يوم 8 أكتوبر الجاري.

في اليوم الموالي (التاسع من أكتوبر) أصبح تقرير المحكمة متاحا للجميع، حيث تناول التقرير العديد من القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية، وبدأ بقراءة في تنفيذ قوانين المالية لسنتي 2022 و2023.

التقرير الذي تناول العديد من القطاعات الحكومية أبرزها قطاعات البترول والطاقة والمعادن، والصحة، والتشغيل والتكوين المهني؛ أخذ مساحة كبيرة من اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي منذ أول لحظة.

وخصص التقرير أحد محاوره لمشروع طريق النعمة فصالة، وآخر لصندوق كورنا، وثالث لبرنامج دعم التنمية المحلية، كما خصص محورا للتدقيق الخارجي لبرنامج دعم الميزانية الخاص بالاستجابة لأزمة كوفيد 19 في دول الساحل الخامس.

كما خصص التقرير محورا للمؤسسات شمل الصندوق الوطني للتأمين الصحي، والشركة الموريتانية للكهرباء، والموريتانية للطيران، وشركة مسالخ نواكشوط، والشركة الموريتانية للمحروقات، والشركة الوطنية للاستصلاح الزراعي “سنات”، ومديرية مشاريع التهذيب والتكوين.

خرجة رئيس المحكمة.. هدف عكسي!

رئيس محكمة الحسابات حيمده ولد أحمد طالب في خرجة إعلامية بعد ثلاثة أيام من نشر التقرير، نفى أن يكون تقرير محكمته قد تطرق لوجود اختلاس للمال العمومي، مؤكدا إن تقرير المحكمة الأخير لم “يتم الوقوف فيه على ممارسات يمكن تكييفها احتيالا أو اختلاسا، في ما يتعلق بالملفات التي كانت موضع تدقيق”.

واعتبر ولد أحمد طالب في تصريحات أثارت جدلا واسعا، واعتبرها مراقبون “هدفا عكسيا” سجله الرجل في شباك محكمته، أن “صرف نفقة على باب ميزانوي خاطئ لا يعني بالضرورة اختلاسا، وأن غياب التأمين الإجباري لا يمثل خسارة مالية، بل عدم مطابقة يجب تداركه مستقبلا”.

وشدد ولد أحمد طالب على أن الهدف من التقرير ليس التشهير أو الإدانة، وإنما فتح نقاش بناء حول سبل تحسين تسيير الموارد العمومية.

وذكر ولد أحمد طالب أن المحكمة “تنخرط من خلال نشر التقرير في النهج الوطني المبني على إدارة فعالة، ومسؤولة في خدمة الوطن”.

ورأى ولد أحمد أنه لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يستغل التقرير لإثارة وزعزة الاستقرار السياسي، ولا أن يكون ذريعة لتصفية حسابات شخصية، أو حزبية.

الضغط الشعبي وتحركات الحكومة

تصريحات رئيس المحكمة أشعلت الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لتخرج الحكومة في أول تعليق رسمي لها معتبرة أن نشر تقرير محكمة الحسابات دليل على جدية الرئيس في مكافحة الفساد.

جاء ذلك على لسان وزير التكوين المهني والصناعة التقليدية والحرف، الناطق باسم الحكومة وكالة؛ محمد ماء العينين ولد أييه، الذي أكد أن هناك استقلالية تامة بين الحكومة ومحكمة الحسابات، مشددًا على أن كل طرف يمثل سلطة مستقلة في إطار دولة القانون والمؤسسات.

وأضاف ولد أييه خلال مؤتمر صحفي للتعليق على نتائج اجتماع مجلس الوزراء، أن تقرير محكمة الحسابات يحظى باهتمام واسع من الرأي العام، ومشيرا إلى أن مواصفه بالإرادة الصادقة للرئيس في مكافحة الفساد بادية من خلال برنامجه صموحي للوطن.

وذكر أن من أمثلة الإرادة الصادقة للرئيس في محكافحة الفساد، إنشاء سلطة وطنية لمكافحة الفساد، ونشر تقارير محكمة الحسابات بانتظام.

وأردف أن هذه الأمثلة دليل على جدية الرئيس محمد ولد الغزواني في مكافحة الفساد.

ردة فعل الحكومة لم تتوقف عند هذا الحد، بل شملت عقد اجتماع وزاري ترأسه الوزير الأول المختار ولد اجاي، يوم الثلاثاء 14 أكتوبر الجاري، حول ما أسمته الوزارة الأولى “تنفيذ توصيات التقرير العام السنوي 2022-2023 لمحكمة الحسابات”.

وضم الاجتماع وزراء القطاعات والمديرين العامين للمؤسسات التي شملها تقرير محكمة الحسابات.

وقال ولد أجاي، إن الاجتماع يأتي بتعليمات من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي أكد أنه ألزم الحكومة بالتنفيذ الصارم والسريع والشامل لتوصيات التقرير العام السنوي لمحكمة الحسابات 2022-2023.

وألزم الوزير الأول جميع الوزراء والمديرين العامين الحاضرين، كل في ما يعنيه، بتقديم تقرير في أجل أقصاه يوم الجمعة 17 أكتوبر الجاري، يشمل من جهة خطة عمل بتواريخ محددة لتنفيذ توصيات التقرير وتسوية الاختلالات الملاحظة وإجراء الإصلاحات الضرورية، ومن جهة أخرى لائحة المسؤولين عن أخطاء التسيير التي كيفتها المحكمة ومقترحا بالعقوبات المناسبة لها.

كما ألزم الوزراء والمديرين العامين بإصدار العقوبات التي تدخل في صلاحياتهم فورا وبإحالة لائحة العقوبات التي تدخل في صلاحيات مجلس الوزراء.

الثلاثاء الأسود: إعفاءات وإحالات

يوم أمس الثلاثاء وفي تطور وصف بالأول من نوعه في تاريخ موريتانيا، أعلنت الحكومة في اجتماعها الأسبوعي إعفاء جميع من شملهم تقرير محكمة الحسابات من مهامهم، وتحريك دعوى قضائية ضد كل من ورد اسمه في التقرير.

ونشرت بعض وسائل الإعلام لائحة من 30 شخصا، شملت بعض رؤساء ومديري المؤسسات العمومية والشركات، بالإضافة إلى عضو واحد في الحكومة الحالية وهو المندوب العام لمندوبية “تآزر”، الشيخ ولد بده، والذي ورد اسمه بسبب ملف الشركة الوطنية للكهرباء “صوملك”، وأقيل مساء أمس بموجب مرسوم صادر عن رئاسة الجمهورية، قضى بتعيين سيدي ولد مولاي الزين مندوبا جديدا للتآزر، خلفا له.

وشملت اللائحة الوزير السابق للتشغيل والتكوين المهني الطالب ولد سيدي أحمد، والذي أقيل من منصبه مديرا لميناء خليج الراحة في نواذيبو، والوزير السابق المختار ولد اليدالي، والذي ورد اسمه في الملف بصفته أمينا عاما سابقا لوزارة التجهيز والنقل.

كما تضم اللائحة مستشارين في ديوان الوزير الأول هما عبدي سالم ولد الشيخ سعد بوه، ومحمد فال دكيه، وأمينين عامين لقطاعات حكومية، هما الأمين العام لوزارة الطاقة والمعادن أحمد سالم ولد بوهدة، والأمين العام لوزارة التنمية الحيوانية صدفي ولد سيدي محمد.

spot_img