قبل أيام أعلن عن العثور على الملحق العسكري لدولة المجر ميتا بأحد فنادق تشاد، بعد أسابيع على وصوله البلاد من أجل الإشراف على مهمة تدريب للجيش تشادي من طرف عسكريين مجريين.
وقد سلطت هذه الوفاة – المرجح أنها طبيعية، حيث إن المقدم إيمري فيكاس كوفاكس، كان يعاني من تدهور صحي – الضوء على الحضور العسكري المجري في تشاد وخلفياته، خصوصا وأن المجر ليس لها وجود عسكري في المنطقة، وليست من ضمن القوى المتنافسة عليها تقليديا.
وقد اتفق الرئيس تشادي محمد إدريس ديبي إتنو خلال زيارة له سبتمبر الماضي إلى بودابست، مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، على نشر المجر 200 جندي في تشاد لتدريب قواتها ضد الجماعات المسلحة.
ويَعتبر أوربان – رغم أن بلاده تعد واحدة من أفقر الدول الأوروبية – أن مواجهة موجات الهجرة المتدفقة من إفريقيا نحو أوروبا، تبدأ من منطقة الساحل، وذلك عبر تدريب الجيوش الوطنية، وتعزيز البعدين التنموي والإنساني.
وانطلاقا من تبني هذه الرؤية، باتت لدى المجر منذ العام 2023 بعثة دبلوماسية في دولة تشاد، وأقامت مركزا إنسانيا، كما وعدت بتقديم 200 مليون دولار كمساعدات للبلاد.
وتستهدف هذه المساعدات الإنسانية بالأساس قطاعي الزراعة والتعليم في هذا البلد القاحل، الذي قوض التهديد الأمني سواء من طرف الجماعات المسلحة ممثلة في بوكو حرام، أو من طرف جماعات التمرد التي قتلت الرئيس إدريس ديبي إتنو عام 2021، جهود التنمية فيه، وأضعف التعليم خصوصا بالمناطق النائية.
وفضلا عن ذلك، يشهد القطاع الصحي تشادي تدهورا كبيرا خصوصا في المناطق المستهدفة من طرف الجماعات المسلحة، وينتظر أن يستفيد هذا القطاع من مبلغ يفوق المليون دولار، مقدم من وكالة المساعدات الحكومية المجرية، من أجل تمويل الرعاية الصحية.
ويشكل الحصول على المساعدات العسكرية والتنموية من المجر كحليف جديد لدولة تشاد، ورقة رابحة على الصعيد الداخلي بالنسبة للجنرال الشاب محمد ديبي الذي فاز بالرئاسة شهر مايو الماضي، وكان قبل ذلك رئيسا انتقاليا لأزيد من 3 سنوات.
وإلى جانب التحدي الأمني، تعاني تشاد من الفقر حيث تعيش نسبة 42% من سكانها البالغ عددهم 20 مليون نسمة، على أقل من 2.15 دولار في اليوم، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
وتضاعفت معاناة البلاد منذ منتصف ابريل 2023، تاريخ اندلاع حرب الجنرالين في السودان “قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدع السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي”، حيث تعطلت حركة البضائع والأشخاص، ما أدى إلى ارتفاع كبير لأسعار المواد الغذائية، وزاد الضغط على الاقتصاد تشادي.
كما استقبلت البلاد نحو مليون و200 ألف لاجئ سوداني، وهو ما تنظر إليه المجر بتوجس كبير، وتعتبر أن الضغط على تشاد، سيكون بمثابة “فيضان” هجرة نحو أوروبا، ولذلك قررت تقديم المساعدة من أجل الإسهام في التصدي لهذه الأزمات.
وإذا كانت تشاد مهتمة بتنويع شراكاتها الخارجية منذ تولي ديبي الإبن السلطة، حيث أبقت على الوجود العسكري الفرنسي فيها، وعلى جزء من الوجود العسكري الأمريكي كذلك، وفتحت قنوات تواصل متقدمة مع روسيا، والآن مع المجر، محاولة بذلك إبراز أن الصراعات الدولية لا تهمها، بقدر ما تهمها مصالحها، فإن المجر تبدو كذلك مهتمة بتعزيز الحضور في منطقة الساحل خصوصا في ظل تقاربها مع روسيا.
ويمكن للحضور الروسي المتزايد خصوصا بدول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، التي طردت القوات العسكرية الفرنسية، وتحالفت مع روسيا، وأيضا تشاد التي تبادلت معها زيارات على مستوى رفيع، أن يشكل بوابة رئيسية للمجر من أجل تعزيز حضورها بالساحل، لكن الطريق أمامها لن يكون سهل الاجتياز، في ظل إبداء الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية قلقها إزاء تقارب بودابست وموسكو.