شهدت القارة الإفريقية 8 انقلابات عسكرية منذ العام 2020 – إذا اعتبرنا ما حصل في دولة تشاد انقلابا مكتمل الأركان – كانت مناهضة فرنسا واضحة في 5 منها وقعت في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، فيما لم يناهض العسكريون بغينيا كوناكري وتشاد الحضور الفرنسي، وتركوا الموقف إزاء باريس على ما كان عليه الأمر إبان حكم ألفا كوندي، وإدريس ديبي إتنو.
وعلى ذات منحى عدم مناهضة فرنسا، سار الانقلابيون في الغابون، مع خصوصية واضحة في الحالة الغابونية، فالدولة الواقعة بغرب وسط إفريقيا، حكمها لأزيد من نصف قرن عمر بونغو، ونجله علي بونغو، وكانت بعض الترتيبات جارية لأن يخلف الأخيرَ ابنه نور الدين بونغو، قبل أن يقلب انقلاب بريس أوليغي نغيما ورفاقه كل الحسابات.
وتبدو خصوصية انقلاب الغابون إزاء عدم معاداة فرنسا واضحة، فالبلاد الغنية بالنفط، التي تحتضن قاعدة عسكرية فرنسية، وبها حضور هام لعدد من الشركات الفرنسية، لم يرفع فيها مؤيدو الانقلاب غير العلم الغابوني، ولم يرددوا شعارا ضد فرنسا.
بل إنه كان من ضمن الإجراءات الأولى للانقلابيين، إعادة بث إذاعة فرنسا الدولية، وقناتي “فرانس 24” و”تي في 5 موند”، في إشارة واضحة لطمأنة فرنسا، سرعان ما التقطتها باريس، فجاء موقفها من الانقلاب باردا وفاترا، ولو كان ممكنا أن تؤيده علنا لفعلت ذلك.
فهل كانت فرنسا ماكرون لتختلف عن فرنسا ديغول، حين تدخلت عام 1964 بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس ليون مبا، وأعادته للسلطة، لولا أن بريس نغيما يؤتمن على مصالح باريس؟
منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، لم تشهد الغابون رئيسا غير موال لباريس، بدءا من أب الاستقلال ليون مبا الذي حكم البلاد 7 سنوات، قبل أن يوافيه الأجل، ليحمل اللواء نائبه عمر بونغو أونديمبا سنة 1967.
وقد ظل عمر الذي تقلد عديد المناصب في عهد ليون مبا، وفيا لفرنسا طيلة أزيد من 4 عقود، ومن مقولاته الشهيرة في هذا الصدد أن “إفريقيا الفرانكفونية بلا فرنسا مثل عربة بلا سائق، وفرنسا بلا إفريقيا الفرانكفونية مثل عربة بلا وقود”.
وهكذا ظل عمر بونغو في السلطة بحماية من فرنسا، التي لم تكن تتردد في مد يد العون لصديقها وقت الأزمات، فاستضافت عدة مرات اجتماعات وساطة بينه والمعارضة، هذا فضلا عن ذكاء “الحاج عمر”، وقدرته على احتواء خصومه.
ولم يرحل عمر بونغو عن السلطة والحياة، قبل أن يهيئ علي لخلافته، وهو ما حصل بالفعل عام 2009، وكان بالإمكان أن يبقى الأخير رئيسا حتى الوفاة، لولا إصابته بجلطة دماغية عام 2018، حينها دعته فرنسا للاستعداد للابتعاد عن الحكم، لكنه لم يقتنع بذلك، إلى أن جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة عليه سنة 2019.
فبعد هذه المحاولة الانقلابية، بدأ علي يفكر في استخلاف نجله الأكبر نور الدين، فعينه منسقا عاما لشؤون الرئاسة، وبات يساعده في كافة شؤون الدولة.
وقد كلف علي بونغو بريس نغيما الذي كان يقود الحرس الجمهوري بمساعدة نور الدين على الاستعداد لخلافته في السلطة، لكن العسكري الكتوم اختار مسارا آخر تم من خلاله وضع حد لسلطة الرئيس ونجله، خصوصا بعدما آثر الترشح لولاية ثالثة يعارضها الكثيرون في الموالاة والمعارضة.
لقد خبر نغيما الوضع في الغابون كثيرا من خلال عمله في ظل رئاستي عمر وعلي، كما أنه ينتمي أسريا للعائلتين اللتين حكمتا البلاد منذ الاستقلال، فوالدته ابنة عم الراحل عمر بونغو، وهو ينحدر كذلك من قبيلة “الفانغ” التي ينتمي لها رئيس الغابون الأول ليون مبا.
فهل يسير نغيما الذي يؤدي غدا اليمين الدستورية رئيسا للغابون على ذات المسار الذي سار عليه سابقوه؟ أم أنه سيعزف لاحقا على وتر مناهضة فرنسا تناغما مع رفاقه في مالي وبوركينا فاسو والنيجر؟
محفوظ ولد السالك / كاتب متخصص في الشأن الإفريقي