تأبى السنغال إلا أن تكون استثناء ديمقراطيا في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، فها هي اليوم تخطو خطوة واثقة نحو تجذير ممارستها الديمقراطية، من خلال التصويت لانتخاب خامس رئيس في تاريخ الجمهورية، منذ استقلالها عن فرنسا قبل أزيد من 6 عقود.
اليوم صوت السنغاليون في الانتخابات الرئاسية الـ12 في تاريخهم، بعدما وقفوا بحزم في وجه تأجيلها عن موعدها القانوني بـ10 أشهر، ليختاروا بحرية من سيحكمهم لمدة 5 سنوات قادمة، بعد انتهاء ولايتي الرئيس ماكي سال.
وقد أدلى الناخبون السنغاليون بأصواتهم في هدوء وسلام، وعبروا كما مختلف المترشحين عن ثقتهم فيما ستفرزه صناديق الاقتراع بعد انتهاء عملية التصويت.
وينتظر أن تعكس هذه الصناديق أحد خيارين، إما استمرار المسار من خلال انتخاب مرشح الائتلاف الحاكم وفيُّ ماكي سال أمادو با، وبذلك يكون الناخبون قد زكوا مجددا النهج الذي اختطه الرئيس منتهي الولاية، ويدافع عنه رئيس الوزراء السابق با، والمتمثل أساسا في مخطط “السنغال النامي”، الذي بفضله، أحرزت البلاد تقدما كبيرا على صعيد البنية التحتية والتنمية.
وأما الخيار الثاني فيتمثل في القطيعة مع النهج السابق، وبالتالي يقع الاختيار على أحد المترشحين المعارضين، وأبرزهم بصيرو ديوماي فاي، ظِل القيادي المعارض ذي الشعبية الواسعة خصوصا في صفوف الشباب، عثمان سونكو، الذي تم رفض ترشحه من طرف المجلس الدستوري.
وإذا أعاد التاريخ السنغالي نفسه هذه المرة، فإن السنغاليين سيختارون معارضا، لأنهم دأبوا على ذلك خلال الفترة السابقة، فقبل أزيد من عقدين، وتحديدا في عام 2000 اختاروا المعارض عبد الله واد أمام الرئيس الأسبق عبدو ديوف.
وفي سنة 2012، انتخب السنغاليون المعارض ماكي سال في الجولة الثانية أمام عبد الله واد، وقد اعترف الأخير بهزيمته، وهنأ خصمه الفائز الذي كان رئيسا للوزراء في عهده.
ورغم أن الوضع الآن يختلف، لأن هذه المرة الأولى في السنغال، التي لا يترشح فيها الرئيس منتهي الولاية للرئاسة، فإن السنغاليين قد يختارون مرشحا غير مرشح النظام، على اعتبار أن أمادو با مرشح من قبل ماكي سال، وانتخابه يعني استمرارا لائتلاف “Benno Bokk Yaakaar” أو “متحدون بالأمل” في السلطة.
وأيا يكن الرئيس السنغالي القادم، الذي سيتولى الرئاسة في ظل استعداد البلاد لتصدير أول شحنة من الغاز من حقلها المشترك مع موريتانيا “أحمييم”، فإن السنغال تحرز تقدما جديدا على درب الديمقراطية، وتحافظ على تكريس الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعلى إبعاد الجيش عن السياسة، وعن السلطة.
ويضرب السنغاليون بذلك مثلا في الديمقراطية، في وقت تحكم بلدانا أخرى في المنطقة أنظمة عسكرية وصلت السلطة عن طريق انقلابات على أنظمة مدنية، ومازالت تتلكأ في وضع أجندة انتخابية واضحة لتسليم السلطة لمدنيين منتخبين.
إن السنغال وهي تؤكد على استثنائية تجربتها الديمقراطية، لتعكس حقيقة مفادها أن الاستقرار السياسي والأمني، هو مفتاح التنمية الاقتصادية والتقدم، ذلك أن البلاد تعد اليوم في مصاف الدول الناهضة بالمنطقة، سواء من حيث شبكة الطرق الحديثة والسريعة، أو من حيث البنيات التحتية الأخرى في المجال الخدمي، فضلا عن معدلات النمو الكبيرة التي تحققت خلال الفترة الماضية.
وهي ثمار ديمقراطية ينتظر أن يستمر قطفها بغض النظر عن الرئيس القادم، ذلك أنه لا تقدم ولا تنمية في ظل عدم الاستقرار أمنيا كان أو سياسيا، وأحد مرتكزات الاستقرار هو الممارسة الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة في الفرص.
وتتأكد أولوية وأهمية هذه الأبعاد، إذا كان البلد مقبلا على إنتاج وتصدير النفط والغاز، فهو سلاح ذو حدين، فإما أن يكون نعمة وينعكس على نهضة الدولة وساكنتها، وإما أن يكون نقمة، إذا لم تكن أسس الاستقرار قوية، فيدخل البلاد في دوامة من التخلف والتخبط بلا نهاية.