قبل أيام اندلع نزاع قبلي عنيف في إقليم النيل الأزرق بالجنوب الشرقي للسودان، بين قبيلتي “الهوسا” و”الفونج”، أسفر عن أزيد من 200 قتيل، وعلى إثره أعلنت حالة الطوارئ بالإقليم لمدة شهر، وتم منح قوات الأمن كامل الصلاحيات لوقف القتال الذي يتجدد من حين لآخر.
وكثيرا ما يكون النزاع على الأرض، هو السبب في العنف وإراقة الدماء بهذا الإقليم، الذي تزيد مساحته على 46 ألف كلم مربع، ويصل عدد سكانه مليونا و193 ألف نسمة.
فبحسب التقاليد المحلية السائدة، فإن امتلاك الأراضي يحظر على “الهوسا” باعتبارهم آخر القبائل التي استقرت بالمنطقة، وهو ما ترفضه القبيلة بقوة، وعلى إثره كثيرا ما يتجدد العنف.
تاريخيا يعتبر “الهوسا” من أبرز القبائل الوافدة إلى السودان من غرب القارة الإفريقية، وتحديدا نيجيريا، ويقطنون بالإضافة للنيل الأزرق، عديد المدن السودانية الأخرى بينها كردفان وكسلا والقضارف والخرطوم وسنار.
ويمتهن “الهوسا” وتعني “راكب الثور” الزراعة، ويعرفون بالتدين والابتعاد عن السياسة، ويقدر عددهم في السودان بثلاثة ملايين نسمة، فيما يشكلون ربع السكان في نيجيريا، الذين يزيد تعدادهم على 200 مليون نسمة.
أما قبيلة “الفونج” التي كثيرا ما تقتتل مع “الهوسا” فينحدر أفرادها من أحفاد أول مملكة إسلامية في السودان، وتعد هذه القبيلة هي الثانية عدديا في النيل الأزرق، بعد قبائل “البرتا” التي تعد الأكبر تعدادا سكانيا، فيما تصنف “الإنقسنا” ثالث القبائل الأصلية في المنطقة.
أما القبائل الوافدة على النيل الأزرق، فتضم أساسا “الهوسا” و”الفلاتة” وهي مجموعة إثنية ذات حضور واسع في إفريقيا جنوب الصحراء، ويعرف أفرادها كذلك ب”الفلان” و”البوله”.
وتوجد في إقليم النيل الأزرق كذلك قبائل عربية، تعود جذورها البعيدة إلى الجزيرة العربية، وتعمل في الرعي والتجارة ومن أبرزها قبائل رفاعة وكنانة.
وتشكل هذه القبائل مجتمعة الخارطة القبلية في المنطقة، التي تحتكر قبائلها الأصلية امتلاك الأراضي وزراعتها، وترفض قبائلها الوافدة الرضوخ لهذا التصنيف بقوة.
والواقع أن منطقة النيل الأزرق لا تشكل سوى مثال على العنف القبلي والمجتمعي المنتشر بكثرة في السودان، بفعل تعدد وتنوع المكون القبلي فيها، إذ تشير معطيات أممية إلى أنه منذ يناير الماضي قتل نحو 550 شخصا، ونزح أكثر من 210 آلاف آخرين في البلاد، بسبب النزاعات القبلية.
وعلى غرار العديد من الدول الإفريقية، فإن الصراع التقليدي بين المزارعين والرعاة، يعد عنوانا عريضا لعدم الاستقرار في السودان، التي تستوعب الزراعة والثروة الحيوانية نسبة 43% من الوظائف فيها، كما تمثلان نسبة 30% من الناتج المحلي الإجمالي.
وكانت السودان تعرف في وقت سابق بأنها “سلة غذاء العالم”، حيث تزيد مساحة الأراضي الصالحة للزراعة فيها على 175 مليون فدان – الفدان يساوي 4200 متر مربع – وتمتلك 11 نهرا بينها ثاني أطول نهر في العالم، وذلك قبل أن يتدهور القطاع الزراعي فيها.
وإلى جانب الزراعة تعد السودان كذلك من أغنى البلدان العربية والإفريقية من حيث الثروة الحيوانية، حيث يفوق حجم ثروتها 100 مليون رأس.
هذا الثراء الزراعي والحيواني، يكاد أن يتحول اليوم إلى نقمة في السودان، فالبلاد تصنف ضمن قائمة البلدان الفقيرة، وقدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة العام الماضي عدد من يعانون الجوع الحاد في البلاد بنحو 10 ملايين شخص.
وينتشر الاقتتال بين عدد من قبائل السودان في عدة ولايات، وتعتبر منطقة “أبيي” مثالا تاريخيا على ذلك، فالصراع فيها بين قبيلة “دينكا نقوك” وقبيلة “المسيرية” العربية، الذي يعود لعقود، كان سببه المباشر التنافس على الرعي والموارد الطبيعية، قبل أن يتحول لاحقا إلى صراع مسلح تغذيه حسابات السياسة.
كما أن إقليم دارفور الواقع في الجزء الغربي من البلاد، عرف صراعات عنيفة بين الرعاة والمزارعين غذتها الانتماءات القبلية لكل طرف.
محفوظ ولد السالك كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية