قبل أيام شهدت مالي تعيين حكومة جديدة، في خطوة غير مسبوقة منذ عام 2021، حيث حرص النظام العسكري الانتقالي على الحفاظ على الاستقرار الحكومي، لكن توتر العلاقة بين الرئيس الجنرال عاصيمي غويتا، ووزيره الأول شوغيل كوكالا مايغا، الوجه المدني الذي اصطف سريعا إلى جانب العسكريين بعد إطاحتهم بنظام الرئيس الراحل إبراهيم بوبكر كيتا عام 2020، أخل ببقاء الحكومة.
لقد وجد شوغيل نفسه في موقف حرج بعد 3 سنوات من قيادة الحكومة، شملته خلالها عقوبات الاتحاد الأوروبي ضمن قائمة قليلة من الوزراء يشكلون واجهة النظام العسكري.
فمن جهة لم ينفتح عليه العسكريون، وإن أرادوا من قيادته لحكومتهم إظهار انفتاح على المكون المدني، فلم يشرك – بحسب ما قال – في عديد القرارات خصوصا المتعلقة بتمديد المسار الانتقالي، وتأجيل موعد الانتخابات.
ومن جهة ثانية وجد المهندس الستيني نفسه متجاوزا من طرف بعض مؤيديه والمناضلين في حراكه السياسي، حيث باتوا يجاهرون بانتقاد النظام العسكري، وتم اعتقال عدد منهم دون أن يحرك مايغا ساكنا.
وأمام كل ذلك اختار شوغيل القطيعة مع العسكريين، وإنقاذ ما تبقى من رصيده السياسي، فخرج عن صمته، وتجاوز حاجز التحفظ خلال ترأسه تجمعا سياسيا في 16 من شهر نوفمبر الجاري، وقال إن الارتباك يخيم على المسار الانتقالي، وإن الشعب المالي لن يقبل استمرار ذلك، كما لن تقبله حركة 5 يونيو التي ناضل من خلالها معارضا لنظام كيتا في ولايته الثانية، ودعم من خلالها كذلك حكم العسكر.
واتهم شوغيل المجلس العسكري ب”أحادية” القرار، مضيفا أنه شخصيا علم بتمديد الفترة الانتقالية عبر وسائل الإعلام، وأن قرار التمديد لم يناقش على مستوى الحكومة.
وعلى إثر هذه التصريحات، تمت إقالة شوغيل وحكومته بموجب مرسوم صادر عن الرئيس غويتا، وعين مكانه الجنرال عبد الله مايغا، الذي سبق أن شغل المنصب لفترة قصيرة بسبب إصابة كوكالا مايغا عام 2022 بسكتة دماغية تطلبت علاجه خارج البلاد.
إن موقف شوغيل مايغا الذي عبر عنه، والعقوبة التي ترتبت على ذلك بإقالته من المنصب، يرفعان عنه الحرج، ولكن طبيعة تموقعه خلال ما بعد المنصب الحكومي، هو الذي سيحدد ما إذا كان الهدف بالفعل هو رفع الحرج، أم تجاوزه نحو معارضة النظام العسكري، كما فعل من قبل مع نظامي إبراهيم بوبكر كيتا وأمادو توماني توري.
وإذا كان شوغيل سيكتفي بمجرد رفع الحرج، فإنه لن ينخرط بشكل فاعل في حراك مناهض للمجلس العسكري، أما إذا كان سيتجاوز ذلك، فإن الساحة السياسية المالية ستكون على موعد في الفترة المقبلة مع ظهور حراك معارض قوي، قد يكون قطباه الرئيسيان مايغا ورجل الدين القوي الإمام محمود ديكو، الذي لم يخف منذ بعض الوقت معارضته لحكم العسكر.
وفي حال قرر مايغا وديكو العودة لتحريك الساحة السياسية الراكدة منذ وصول العسكريين للسلطة، فإن الثمن قد يكلفهما السجن والمحاكمة، فالنظام العسكري وإن رفع التقييد الذي كان يفرضه على الأحزاب السياسية، إلا أنه لن يقبل في الغالب بظهور معارضين له داخل البلاد.
إن إقالة غويتا السريعة لمايغا، وتعيين مايغا آخر من رفاقه الأوفياء مكانه، تبعث رسالة مفادها أن النظام العسكري لا يقبل بأنصاف المواقف، فإما أن يكون الشخص معه أو ضده، ومن كان ضده لا مكان له في الحكومة.
ورغم ذلك، فإن خطوة شوغيل قد تدفع العسكريين وإن لم يظهروا ذلك بشكل علني، إلى التوجه سريعا نحو تنظيم انتخابات رئاسية تنهي المسار الانتقالي الاستثنائي، وتعيد هؤلاء للسلطة عبر صناديق الاقتراع، في خطوة التفافية تضمن الاحتفاظ بالرئاسة على الطريقة تشادية.