ابتداء من يوم الاثنين 20 يناير 2025 يبدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن ولاية رئاسية جديدة هي الأخيرة له، وينتظر أن تنتهي في 20 يناير 2029، تتسم كما الأولى برفع شعار: “أمريكا أولا”، بمعنى أنه – وهذا طبيعي جدا – سيسعى لجعل المصلحة الأمريكية فوق كل اعتبار.
ويبدو أن إفريقيا غابت في الولاية الأولى من حكم ترامب حد التجاهل والإهمال، بل إنه صرح مرة بما اعتبره كثيرون “تحقيرا” ببعض بلدان إفريقيا، وأثار الأمر انتقادات لاذعة لساكن البيت الأبيض.
ومع بدء الولاية الجديدة، يتساءل كثيرون حول ما إذا كانت ستشكل امتدادا للولاية الأولى في كل شيء، بما في ذلك ملف السياسة الخارجية تجاه إفريقيا.
ورغم أن الحكم على مدى الاختلاف وطبيعته يعتبر سابقا لأوانه، فإن ماركو روبيو مرشح الرئيس ترامب لمنصب وزير الخارجية، قال قبل أيام أمام لجنة في مجلس الشيوخ للمصادقة على تعيينه، إن إفريقيا تتيح إمكانات اقتصادية كبيرة، وإن الاستثمارات الأمريكية “ستركز على هذه المنطقة من العالم”.
وأوضح روبيو أن منطقة الساحل الغربي لإفريقيا، توجد بها “الكثير من الفرص الحقيقية”، وأن بلاده “لديها انخراطات مستمرة، ليس فقط في مكافحة الإرهاب، ولكن أيضا في تحقيق التقدم الاقتصادي”.
وتعكس تصريحات الرئيس المستقبلي للدبلوماسية الأمريكية، أن لدى ترامب رؤية مختلفة تجاه إفريقيا خلال الفترة المقبلة، تنطلق من أن “قارة المستقبل” تفرض على صانع القرار الأمريكي الاهتمام بها، والتعامل معها بمنطق مختلف، أي منطق الشراكة والتعاون.
والواقع أن الولايات المتحدة – وقد تمت الإشارة إلى ذلك بشكل فعلي في عهد جو بايدن – لا تريد الاستمرار في منطق الكرسي الفارغ بالقارة الإفريقية، وترك الباب مشرعا أمام غريمتها الصين.
ويعني هذا الخيار أن البعد الاقتصادي والتجاري سيكون حاضرا في سياسة ترامب الجديدة تجاه إفريقيا، الغنية بالموارد التي يدخل بعضها في عدد من الصناعات العالمية.
ولعل ترامب في هذا الإطار سيعطي دفعا جديدا لمشروع “ممر لوبيتو” للسكك الحديدية الذي ينطلق من أنغولا ويربط بينها والكونغو الديمقراطية وزامبيا، وذلك لتسهيل نقل عدد من المعادن الاستراتيجية والحيوية من القارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية عبر المحيط الأطلسي.
ويتعلق الأمر أساسا بالكوبالت، والليثيوم، والنحاس، والألمنيوم، والمنغنيز، وهي معادن تعتبر ضرورية للصناعات التي تعتمد على التكنولوجيا المكثفة.
ولأهمية هذا المشروع كانت أنغولا الدولة الوحيدة بإفريقيا جنوب الصحراء التي زارها جو بايدن زيارة رسمية، وتباحث فيها مع قادة الدول المعنية بهذا المشروع.
وقد قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض في عهد بايدن جون كيربي حينما سئل عن مصير مشروع “ممر لوبيتو” مع إدارة ترامب، إن الممر “يتعلق بأكثر من مجرد محاولة واشنطن التفوق على بكين جيوسياسيا”، وإنه يأمل إذا ما اطلعت الإدارة الجديدة على قيمته وكيف أنه “سيساعد في قيادة مجتمع أكثر أمانا وازدهارا اقتصاديا”، أن تعمل على إكماله.
وإلى جانب المجال الاقتصادي، فإن الولايات المتحدة في عهد بايدن الجديد، إذا ما اهتمت بإفريقيا فمن المتوقع أن يكون للبعد الأمني والعسكري حظ من الاهتمام، وذلك لمواجهة تنامي النفوذ الروسي والتركي.
فبالنسبة لتركيا التي تعتبر رابع أكثر الدول غير الإفريقية تمثيلا في القارة الإفريقية، بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا، لديها ما لا يقل عن 37 مكتبا عسكريا في إفريقيا، وقد ارتفع حجم صادراتها العسكرية إلى القارة من 41 مليون دولار إلى 328 مليون دولار سنة 2021.
أما بالنسبة لروسيا فبات لديها تعاون عسكري تقني مع أزيد من 40 دولة إفريقية، وخلال العقد الممتد من 2010 إلى 2021، كانت صادرات الأسلحة الروسية إلى إفريقيا أكبر بثلاثة أضعاف من صادرات الصين.
إن هذه المعطيات وغيرها، لا شك ستحتم على دونالد ترامب تغيير رؤيته تجاه إفريقيا خلال ولايته الرئاسية الجديدة، لأن جزءا من نجاح شعار “أمريكا أولا” مرتبط بالقارة الإفريقية.