spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

أسباب وآفاق التوتر الدبلوماسي بين واشنطن وبريتوريا

توترت بشكل متسارع خلال الفترة الأخيرة العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب إفريقيا، ووصلت مستوى إعلان واشنطن سفير بريتوريا لديها إبراهيم رسول “شخصا غير مرغوب فيه” وطردته من أراضيها.
واتهم وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الدبلوماسي جنوب الإفريقي بأنه “يكره البلاد ورئيسها دونالد ترامب”، و”يؤجج التوترات العرقية”.
وقبل عملية الطرد هذه، ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المساعدات الأمريكية لجنوب إفريقيا، على خلفية قانون مثير للجدل يتعلق ب”مصادرة الممتلكات”، اعتبرت واشنطن أنه “ينطوي على تمييز ضد المزارعين البيض”، ونفت جنوب إفريقيا ذلك بشدة.
وهناك عدة عوامل أخرى تفسر أسباب التوتر الدبلوماسي المتصاعد من الجانب الأمريكي بشكل خاص، منها دعم جنوب إفريقيا الكبير والتاريخي لغزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير عليها، ورفعها شكوى ضد الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، وهو ما لم يعجب إدارة ترامب الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل.
ولم يخف رافع شعار “أمريكا أولا” غضبه إزاء تصدر جنوب إفريقيا حملة المناهضة الدولية للاحتلال الإسرائيلي، حيث قال مرة إن البلاد اتخذت مواقف عدائية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، مشيرا إلى اتهامها إسرائيل بالإبادة الجماعية.
وليس انحياز جنوب إفريقيا لغزة وللقضية الفلسطينية بشكل عام هو وحده ما يثير غضب ترامب، فالتقارب بين بريتوريا وموسكو، الذي ظل قائما طيلة سنوات الحرب الثلاث بين روسيا وأوكرانيا، في حين أن واشنطن كانت في صف حلفاء كييف، من ضمن ما عكر صفو ود ساكن البيت الأبيض.
وتعزيزا لعلاقاتها مع روسيا ومع الصين كذلك، وهما غريمان تقليديان للولايات المتحدة الأمريكية، شاركت جنوب إفريقيا بأكثر من 350 جنديا في مناورات بحرية مع موسكو وبيكين في يناير 2023.
كما استقبلت البلاد سفنا حربية روسية، ووقعت في أغسطس 2023 اتفاقية تعاون في مجال النفط مع إيران، وقد أثارت هذه الخطوات المتتالية امتعاض إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وورثت إدارة ترامب ذات الموقف، بل إنه تعزز بفعل وقوفها في وجه إسرائيل.
إن من الواضح أن هناك تراكما من الرؤى والمواقف التي اختطتها جنوب إفريقيا لنفسها، لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن تريد لذلك أن يخالف توجهاتها، أو بمعنى أدق لا تريد أن يكون لبريتوريا الحق في أن تحدد ذاتيا شراكاتها الخارجية، أو أن تختار مع من تتحالف، ومن تتجنب.
إنه ذات المنطق التحكمي التقليدي للعالم الأول في العالم الثالث، ومن أراد الخروج عنه تتم محاربته على مختلف المستويات حتى يتراجع صاغرا، أو يقدم التنازلات المطلوبة.
وقد ألقت خلافات الطرفين بظلالها على تولي جنوب إفريقيا رئاسة مجموعة العشرين، لتصبح آخر بلد عضو يرأس المجموعة دوريا، وأول دولة إفريقية ترأسها، فحين استضافت مؤخرا اجتماعا لوزراء خارجية المجموعة، قاطعته واشنطن، وأعلن وزير خارجيتها أن حكومة البلد المضيف اتبعت جدول أعمال “معاد لأميركا”.
وقد تباين رد فعل جنوب إفريقيا على التصعيد الأمريكي ضدها، ففي الوهلة الأولى قال رئيسها سيريل رامافوزا إن البلاد “لن تخضع للترهيب”، ليرد ترامب بالإعلان أن إدارته ستسهل لأي مزارع جنوب إفريقي يرغب في الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الحصول على الجنسية، بسبب ما قال إنها معاملة “فظيعة” من جانب حكومة بريتوريا.
وبعد طرد السفير دعت رئاسة جنوب إفريقيا إلى الحفاظ على “اللياقة الدبلوماسية”، وأكدت أنها ستظل ملتزمة ببناء علاقة مع واشنطن “تعود بالفائدة المشتركة”.
إن من المتوقع أن يكون لوقف المساعدات الأمريكية تداعيات كبيرة على جنوب إفريقيا، فواشنطن تقدم نسبة تناهز 17% من إجمالي إنفاق البلاد على مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية.
كما أن ترامب سبق وأن هدد بفرض عقوبات اقتصادية ورسوم جمركية بنسبة 100% على البلاد، إذا تخلت عن استخدام الدولار الأميركي، وسبب هذا التهديد أن جنوب إفريقيا العضو الفاعل في مجموعة البريكس، تبدي على غرار باقي الدول الأعضاء رغبة في وضع حد لهيمنة الدولار، وإحلال عملة بديلة محله على مستوى فضاء البريكس.
وأمام قوة أوراق الضغط الأمريكية، لا يتوقع أن تصمد جنوب إفريقيا طويلا في هذا التوتر، حتى وإن حاولت المناورة من خلال التقارب مع الاتحاد الأوروبي، وتجاوز الجمود والتوتر معه، من أجل مواجهة تهديدات إدارة ترامب بشأن المساعدات والتجارة.

spot_img