ما إن أوشكت المأمورية الأولى للرئيس الحالي محمد الغزواني على الانتهاء حتى حدقت الأعين بقوة نحو حجم المنجزات، مقارنة بالتعهدات التي قطعها الرجل على نفسه، إبان حملته الانتخابية 2019، ضمن سلسلة ملفات تعدها وكالة مدار الإخبارية نسلط الضوء في هذا التحقيق على مجالي التجهيز والعمران.
واجهة البلاد على العالم ومعاناة السكن
نواكشوط عاصمة البلاد، وواجهتها على العالم، ومركز صنع القرار، بل إنها تكاد تكون المدينة الوحيدة التي تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة..، ومع ذلك ما زالت حتى اليوم -وبعد قرابة خمس سنوات من حكم الغزواني- غير قادرة على إبراز إنجاز مشروع عملاق يحمل بصمات نظام الرئيس التاسع في سلم ترتيب حكام موريتانيا منذ الاستقلال، ناهيك عن استمرار تكدس الأحياء العشوائية فيها، فرغم تعهد الغزواني بحل مشكلة السكن والمحافظة على الوجه الحضاري للمدن، إلا أن بناء الوحدات السكنية، التي تعد العنصر الأهم في هذا الميدان، ما زال يسير بخطى متثاقلة جدا فكل ما تم إنجازه من عشرة آلاف وحدة سكنية (مشروع داري) كانت مقررة ضمن برنامج “تعهداتي” -وهو البرنامج الانتخابي للرئيس محمد محمد أحمد الشيخ الغزواني- هو حدود 1500 وحدة سكنية في كافة ولايات الوطن حسب الجهات الرسمية!
لم يكن للعاصمة نواكشوط نصيب من مشروع داري، لكن القطاع الوصي استحدث مشروعا آخر أطلق عليه اسم “حياة جديدة” وهو عبارة عن منطقة تم استصلاحها تأهبا لترحيل سكان الأحياء العشوائية إليها، وفي المرحلة الأولى للترحيل هذه تعالت أصوات المستفيدين بالشكاوى والامتعاض من ظروف السكن، والعيش، والنقل في المنطقة الجديدة، مطالبين بإرجاعهم لعشوائيات قالوا إنهم كانوا يحصلون فيها على أبسط مقومات الحياة!
في تصريح لمدار قالت امباركه وهي من المستفيدات من مشروع “حياة جديدة” “كنت أسكن في عشوائية قرب القطاع الخامس من حي السعادة (ملح) كان كل شيء بخير فالمدرسة تقع بقربي أدرس فيها ابنتي وسيارات الأجرة متوفرة أجوب العاصمة بأسعار معقولة، كنت أبيع الخضار وكل زبنائي يسكنون في أماكن قريبة، كان كل شيء بخير إلى أن أتاني ذلك اليوم الأسود، الذي هُجرت فيه قسريا إلى هذا الخلاء! لقد تعطل عملي فلا أحد هنا ليشتري الخضار وكل من رحلوا معي هم من المعدمين ليس لديهم ما يشترون به شيئا، سيارات الأجرة غير متوفرة، والماء معدوم، وأنا أشكو جدا من هذا الوضع وأفضل العودة إلى الگزره”..
وفي سياق ذي صلة وضمن تعهد الرئيس بحماية نواكشوط ما زالت القمامة تملأ شوارع العاصمة بل هناك من يرى أنها ازدادت تكدسا في فترة حكمه، ناهيك عن وضع المدينة في موسم الأمطار فنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي يطلقون عليها المدينة المنكوبة لما تعانيه من غرق لغالبية أحيائها، وانتشار البرك، ومستنقعات متعفنة!
الجسور وطرق الربط الداخلي
حمل كتاب “تعهداتي” وعودا كبيرة في هذا الجانب لكن أغلبها لم ير النور بعد ففي الوقت الذي تعهد فيه غزواني بتعبيد طرق تشكل حلما للموريتانيين جاء ذلك في نهاية الصفحة الرابعة والعشرين وبداية الصفحة الخامسة والعشرين من كتاب “تعهداتي” طريق تجگجه- بو مديد- كنكوصه- ولد ينجه- سيلبابي؛ وطريق النعمة- انبيكت لحواش،وطريق بوتلميت-اركيز-انتيكان، وطريق الطينطان-اطويل-الفلانية-مدبوگو-كوبني، وطريق أطار-شنقيط-وادن، فإن أيا من هذه الطرق لم ينتهِ بعد، منها ما تم وضع حجره الأساس ومنها ما لم يُذكر بعد الانتخابات بل بقي طي النسيان!
أتحنا الفرصة لوزارة التجهيز والنقل عبر التواصل، والاتصال، بمستشارها الإعلامي لإمدادنا بالمعلومات الوافية حول الطرق وما تم فيها من العمل وأسباب تأخر أغلبها، وغياب الآخر لكننا لم نجد تجاوبا!
إلا أن المجلة الصادرة عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية بمناسبة ذكرى الاستقلال 2023، نصت في صفحتها 11 على اكتمال الأشغال في ما يزيد على 900 كلم من الطرق، 420 منها طرق ربط طويلة، و120 كلم طرق حضرية، في كل من نواكشوط، واكجوجت، وسيلبابي، بالإضافة إلى استمرار العمل في 1500 كلم، منها شبكات للطرق الحضرية موزعة على عشر ولايات.
الجسور هي الأخرى خاصة في نواكشوط شكلت مادة دسمة للرأي العام منذ تسلم ولد الشيخ الغزواني لدفة حكم البلاد، لما شاب تنفيذها من ارتباك، وعجز، وفوضى، حيث قطعت أوصال المدينة الستينية في انتظار بزوغ فجر جسورها الثلاث، وظل الطريق الرئيسي للقادمين من الشمال مسدودا، في نتظار بناء جسر الحي الساكن.
عدة أشهر والقادمون عبر “شارع القوات المسلحة” يتسللون عبر الطرق الفرعية في مقاطعتي دار النعيم، وتيارت، في انتظار الحلم الذي وقف ولد الشيخ الغزواني على وضع حجره الأساس، ليتضح لاحقا أن عملية احتيال شابت صفقة الجسر، وأننا أصبحنا نطارد خيط دخان!
بعد أشهر من لحظة تدشين الجسر أعلنت وزارة التجهيز والنقل عن إلغاء الصفقة! كان ذلك منتصف العام 2022، حيث أعلن وزير التجهيز والنقل حينها المختار أحمد اليدالي عن فسخ عقد الشركة التي تتولى بناء جسر الحي الساكن بعد توقف الأشغال فيه تماما، لتسند لاحقا مهمة تنفيذه إلى شركة “النجاح” المملوكة لرجل الأعمال محيي الدين ولد أحمد سالك.
جسر مدريد الذي نص عليه ولد الشيخ الغزواني بشكل صريح في الصفحة الخامسة والعشرين من برنامجه “تعهداتي” حيث جاء فيه: “بناء دوار مدريد قبل انتهاء المأمورية” لكن الحجر الأساس للجسر لم يوضع إلا مطلع العام 2023 على أن تنتهي الأشغال فيه بعد أربع سنوات وفقا لمصادر غير رسمية!
جسر بامكو في الضاحية الجنوبية لنواكشوط، أكثر “الجسور” قابلية للتدشين في المأمورية الحالية، رغم الانتقادات التي وجهت له، حيث يرى المختصون في الميدان أنه مجرد “محول” ولا يمكن وصفه بالجسر، ومع ذلك فقد تأخرت فيه الأشغال عن الموعد المحدد هو الآخر، أكثر من مرة، إلا أن نشرية لوزارة التجهيز والنقل في 17 من أكتوبر 2023 أكدت أن الأشغال في الجسر بلغت نسبة 85% بينما ذهب الحماس بوزير القطاع محمد عالي ولد سيدي محمد أبعد من ذلك، حيث قال في 19 من أكتوبر 2023 أن الجسر سيدشن في ذكرى الاستقلال وهو ما لم يتم!
مسجد نواكشوط الكبير!
يعد من المشاريع المؤجلة من عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، إلا أن الرئيس الحالي نص في الصفحة التاسعة من برنامج “تعهداتي” في النقطة الأولى تحت عنوان “إشعاع حضارتنا الإسلامية” على ما يلي: “إطلاق برنامج لتشييد المساجد بما في ذلك مسجد نواكشوط الكبير”.
مصدر رفيع المستوى في وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي فضل عدم كشف اسمه قال لمدار “لا وجود حتى الآن لأي مشروع لتشييد المساجد، كل ما هو موجود مبلغ يسير مرصود لترميم وتجهيز المساجد”
ليلازم الصمت مشروع البناء ويغيب بذلك مسجد نواكشوط الكبير الذي طالما شكل مادة للتندر لدى الرأي العام الموريتاني لكثرة الحديث عنه في حقبتي “المحمدين” وغياب أي بوادر تدل على تشييده..
ولئن كانت بعض “تعهداتي” في مجال الإعمار والطرق لم تسلك بعد طريقا قويما ضامنا للتحقق على أرض الواقع، فإن ذلك لا ينفي وجود منجزات في هذا المجال من أبرزها:
توسعة مباني جامعة نواكشوط العصرية، والمستشفى الوطني، والوزارة الأولى، وعدد من الدوائر والقطاعات الحكومية، وتشييد 8 ساحات عمومية في نواكشوط، بالإضافة إلى انتهاء الأشغال في مقرات عدد من مؤسسات الدولة تم تدشينها من طرف الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، كالمقر الجديد للمجلس الدستوري الذي وضع الرئيس حجره الأساس يوم 18 أغسطس 2019 وانتهت الأشغال فيه، وتدشنه 14 أغسطس 2020.
مقر الجمعية الوطنية الجديد تم وضع حجره الأساس من قبل ولد الغزواني يوم 3 من دجمبر 2019 ليتم تدشينه يوم 7 دجمبر 2021.
مجمعين وزاريين بسعة 550 مكتبا.
12 مقرا للمجالس الجهوية.
وفي الجانب الدبلوماسي وضع رئيس الجمهورية الحجر الأساس للسفارة الموريتانية في النيجر يوم 16 دجمبر 2019 فيما انتهت الأشغال فيها ودشنت يوم 25 نوفمبر 2022 من طرف الرئيس غزواني.