منذ أيام قليلة باتت ثلاثة من بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وهي مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، خارج المنظمة، بعد توتر استمر أزيد من سنة، خلفيته الأساسية موقف “سيدياو” من الانقلابات العسكرية التي شهدتها هذه الدول قبل سنوات.
وإذا كان الطلاق النهائي بين الطرفين، سببه غير المعلن هو أن الأنظمة العسكرية الحاكمة في باماكو، ونيامي، وواغادوغو، تسعى للبقاء لفترة طويلة في السلطة، ولا تريد للمنظمة غرب الإفريقية أن تعترض سبيلها في هذا التوجه، وأن “سيدياو” أيضا فشلت في إخراج العسكريين من السلطة، وإلزامهم بفترات انتقالية محددة، وبالتالي لم تعد هناك أرضية مشتركة تسمح للطرفين بالبقاء داخل نفس الإطار التنظيمي، فإن هذا الانفصال لن يكون له تأثير كبير على بقائهما معا ككيانين منفصلين.
فعلى الصعيد الهيكلي، يمكن لتحالف دول الساحل الذي تنخرط فيه البلدان الثلاثة، أن يتعايش جنبا إلى جنب مع “سيدياو” دون أن يتفكك أي منهما، لأن القارة الإفريقية قد تفتقر إلى أي شيء، سوى التكتلات والتجمعات الإقليمية متعددة الأطراف.
وهكذا فإنه يمكن للمنظمة غرب الإفريقية وكونفدرالية تحالف دول الساحل، فتح الباب أمام أعضاء جدد قد يكونون منخرطين في أحد الإطارين التنظيمين، فكما كانت مثلا مالي والنيجر وبوركينا فاسو بلدان أعضاء في “سيدياو”، وفي نفس الوقت في مجموعة دول الساحل الخمس قبل الانسحاب الثلاثي منها لاحقا، فإنه يمكن لتوغو، وغانا البلدين العضوين في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، أن ينضما للتحالف الثلاثي دون أن ينسحبا من المجموعة، وقد لوحظ مؤخرا تقارب كبير بينهما ودول التحالف.
كما يمكن لتشاد التي بقيت وحيدة مع موريتانيا في مجموعة دول الساحل الخمس، الانضمام للتحالف و”سيدياو” في نفس الوقت، بل إنه يمكن للإطارين التنظيميين فتح الباب أمام دول خارج الفضاء غرب الإفريقي.
إن التأثير الحقيقي الذي يمكن أن يحدثه هذا الانسحاب الثلاثي بالنسبة للطرفين يتعلق أساسا بالجانب الاقتصادي، فالدول المنسحبة حبيسة، وكانت تعتمد على بعض موانئ بلدان الجوار الأعضاء في “سيدياو” إضافة إلى موريتانيا بالنسبة لمالي، ومو ريتانيا للإشارة كانت أول بلد ينسحب من المنظمة غرب الإفريقية عام 2000.
كما أن دول “سيدياو” تعتمد عدد منها على المنتجات القادمة من هذه البلدان، وتستفيد شعوب الدول في الاتجاهين بشكل كبير من حركة البضائع والأشخاص.
فعلى سبيل المثال كانت ساحل العاج شريكا رئيسيا لصادرات بوركينا فاسو ومالي، البلدين المنتجين أساسا للذهب والقطن، وبعض المنتجات الأخرى بعضها غذائي.
كما كانت نيجيريا وغانا وجهة أساسية لمنتجات النيجر من لحوم وبصل وفول، وهي فضلا عن ذلك تعد أكبر بلد إفريقي مصدر لليورانيوم.
وتشكل السنغال كذلك شريكا أساسيا للصادرات بالنسبة لمالي، ويشمل ذلك مواد القطن والأسمدة إلى جانب بعض المنتجات الغذائية.
وبالمقابل كانت نسبة 80% من بضائع النيجر تمر عبر ميناء كوتونو في بنين، كما أن ميناء أبيدجان ظل يشكل شريانا أساسيا لمالي وبوركينا فاسو، ونفس الأمر ينطبق على موانئ لومي وأكرا بالنسبة لواغادوغو، وكوناكري بالنسبة لباماكو.
وتعكس هذه المعطيات وغيرها كيف يمكن للانسحاب أن يؤثر على الطرفين، ولكن بإمكانهما بالمقابل تجنب حصول تداعيات كبيرة جراء الانسحاب، من خلال تعزيز التعاون بين “سيدياو” وتحالف دول الساحل، وبالتالي لا تكون هناك قطيعة شاملة بعد الانفصال.
وهو خيار يبدو أن الطرفين يسيران في اتجاهه، فقبل سريان قرار الانسحاب النهائي بشكل رسمي، ألغت مالي والنيجر وبوركينا فاسو، تأشيرات الدخول عن مواطني البلدان الأعضاء في “سيدياو”.
وبعد الانسحاب أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، السماح باستمرار تجارة السلع والخدمات مع الدول المنسحبة، في انتظار اعتماد شروط جديدة تحكم مستقبل علاقة المنظمة مع البلدان المنسحبة.
تداعيات الانسحاب الثلاثي من سيدياو ومستقبل علاقة المنظمة مع البلدان المنسحبة
