قبل أيام أعلن عن زيارة مرتقبة للرئيسة الهندية روبادي مورمو إلى موريتانيا منتصف شهر اكتوبر الجاري، ضمن جولة لها تشمل كذلك الجزائر، ولكن أيضا في إطار أوسع يبرز اهتمام البلاد بتوسيع حضورها في القارة الإفريقية.
وتأتي الزيارة المرتقبة لثاني امرأة تتولى رئاسة الهند، لموريتانيا في سياق اتسم بتقارب لافت بين نواكشوط ونيودلهي خلال الأشهر الأخيرة، ففي أواخر مارس الماضي
استقبل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بالقصر الرئاسي في نواكشوط، دامو رافي نائب وزير الخارجية الهندي، على رأس وفد هندي رفيع، وتم بالمناسبة بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية، وآفاق التعاون بين البلدين.
وفي أواخر مايو من العام الجاري، قدم ناريش كيمار أوراق اعتماده للرئيس الموريتاني كأول سفير للهند مقيم في نواكشوط، كما فتحت موريتانيا سفارة لها في نيودلهي، لكنها لم تعين بعد سفيرا فيها.
وتفيد بعض الأرقام بأن حجم المبادلات التجارية بين الهند وموريتانيا بلغ 378.24 مليون دولار خلال 2022- 2023، بينما وصل حجم التبادل التجاري الثنائي بين الهند والجزائر 2.9 مليار دولار عام 2018.
وتسعى الهند إلى رفع حجم التبادل الاقتصادي والتجاري بينها وإفريقيا ليصل 200 مليار دولار في أفق السنوات السبع المقبلة، ومن أجل تحقيق هذا المسعى الذي قد يجعل نيودلهي تتجاوز بكين التي بلغ حجم التجارة بينها والقارة الإفريقية 167 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024، فإنها تكثف نشاطاتها بالقارة.
وتأتي زيارة روبادي مورمو التي تتولى المنصب الرئاسي منذ عام 2022، لشمال إفريقيا في هذا الإطار، فبعدما استضافت نيودلهي أغسطس الماضي منتدى أعمال هنديا إفريقيا، تستعد رئيسة البلاد الآن لزيارة موريتانيا التي تتولى دوريا رئاسة الاتحاد الإفريقي، وتستعد مطلع العام المقبل لبدء إنتاج الغاز المشترك مع السنغال، وهو ما من شأنه أن يعزز الشراكة الاقتصادية والتجارية بين البلدين والهند.
وتتبنى الهند استراتيجية تجاه إفريقيا تقوم على ركائز رئيسية، بينها بناء القدرات والتدريب والتعاون التقني، والقروض الميسرة، والتجارة والاستثمار والمساعدات والمنح.
ويشكل المجال العسكري مدخلا رئيسيا لتعزيز العلاقات الهندية الإفريقية، فعلى صعيد التدريب مثلا شهدت النسخة الثانية من التدريبات المشتركة الهندية الإفريقية التي أجريت في مارس 2023، مشاركة 20 بلدا إفريقيا.
وعلى صعيد تصدير السلاح، فإن الهند التي تعد ضمن قائمة أكبر 25 مصدر للسلاح في العالم، عززت حضورها كمورد رئيسي لإفريقيا، فمثلا نسبة 6.6% من إجمالي صادرات البلاد من الأسلحة اشترتها موريشيوس بين عامي 2017 و2021، تليها موزمبيق بنحو 5% ثم سيشل بحوالي 2.3%.
وبالمقابل تزخر إفريقيا بالفرص الواعدة التي يمكن للهند الاستثمار فيها كقطاعات التكنولوجيا والبنية التحتية والصحة، كما أن القارة الغنية بالمعادن، يمكنها تلبية احتياجات الهند المتزايدة من المعادن الحيوية، وخاصة لقطاع السيارات الكهربائية.
فمعادن الكوبالت والنحاس والليثيوم والنيكل، لها دور حاسم في إنتاج تقنيات الطاقة النظيفة، بدءا من توربينات الرياح وحتى السيارات الكهربائية، وهو ما يمكن أن يفسح المجال أمام استثمارات هندية واسعة.
وتركز الهند استثماراتها بإفريقيا في الوقت الحالي على قطاع الخدمات، حيث يمثل نحو 75% من إجمالي تدفقاتها المباشرة إلى القارة.
وقد بلغت الاستثمارات الهندية التراكمية في إفريقيا خلال الفترة من أبريل 1996 إلى مارس 2022 حوالي 74 مليار دولار، وهو ما جعلها ضمن قائمة أكبر خمسة مستثمرين في القارة الإفريقية.
ولدى الهند عامل قوة آخر قد يصنع الفرق مقارنة مع باقي الأطراف الدولية المتنافسة على إفريقيا، وهو امتلاكها جاليات واسعة بالقارة، خصوصا في منطقتي الشرق والجنوب.
ففي جنوب إفريقيا يوجد نحو 1.5 مليون هندي، وفي موريشيوس يبلغ تعداد الهنود حوالي 855 ألف نسمة، كما تقدر أعداد الجاليات الهندية بكينيا وتنزانيا بنحو 100 ألف نسمة في كل من الدولتين.