بعد أشهر من الحضور الإعلامي والسياسي، وبعد أن كادت تتحول واجهات جل المواقع الموريتانية إلى صفحة شخصية لمنسق الحوار، توثق خرجاته، وتحمّل تصريحاته ما تحمل وما لاتحمل أحيانا، وحين ظنّ الجميع أن الحكومة ماضية بسرعة لإنفاذ وعدها بتنظيم حوار شفاف لا يقصي أحدا ولا يستثني موضوعا، رغم معاندة أشهر سياسي معارض في البلد؛ بيرام الداه اعبيد، وبعد “رسالة واتسابية” أثارت الجدل؛ عاد الغموض ليكتنف مستقبل الحوار مجددا وسط سيطرة كاملة لأحاديث “المأمورية الثالثة” ومحاولات نفي “تهمة” التطلع لخلافة الرئيس غزواني، وغياب شبه تام لمنسقه عن الأضواء، قبل أن يظهر أمس الإثنين من داخل مكتب رئيس الجمهورية مسلما إياه التقرير الذي يضم رؤى ومواقف القوى الحية في البلد من الحوار.
المشاركون في المرحلة التمهيدية
التقرير الذي تسلمه ولد الغزواني أمس الإثنين، يعد إيذانا بانتهاء المرحلة التمهيدية من الحوار الوطني الشامل.
وبحسب مصادر مطلعة، فقد كشف التقرير أن المرحلة التحضيرية من الحوار شهدت مشاركة واسعة وغير مسبوقة، حيث تم التشاور مع أكثر من 1600 شخصية وطنية، و45 حزبًا سياسيًا، و80 منظمة من المجتمع المدني، إضافة إلى ممثلين عن الجاليات الموريتانية في الخارج.
وأكد التقرير أن هذه المشاركة الواسعة تعكس الإجماع الوطني حول أهمية الحوار كخيار استراتيجي لتكريس الوحدة الوطنية وترسيخ الديمقراطية وتحسين الحوكمة، انسجامًا مع الرؤية التي عبّر عنها الرئيس الموريتاني في برنامجه الانتخابي «طموحي للوطن».
وأضاف التقرير أن الهدف من هذا المسار هو تعزيز التماسك الاجتماعي، وتوطيد أسس دولة القانون، وبناء عقد اجتماعي جديد يضمن مشاركة جميع الموريتانيين في صياغة مستقبل بلادهم بروح المسؤولية والتوافق.
البداية.. كيف اختار غزواني منسق حواره
ولد الغزواني وبعد لقاءات مع شخصيات سياسية توصف بالوازنة، خرج في خطوة مفاجئة، بداية شهر مارس الماضي، ليعلن عن اختياره للسياسي الموريتاني موسى افال منسقا للحوار المرتقب.
وحدد ولد الغزواني لقادة وممثلي التشكيلات السياسية في لقاء بنواكشوط، ثلاثة مجالات طلب منهم تقديم تصوراتهم فيها، وتسليمها لمنسق الحوار.
وقال ولد الغزواني إن المجال الأول هو لجنة الحوار مع مراعاة أن تضمن أوسع تمثيل لكل الموريتانيين، أما المجال الثاني فهو آلية الحوار، والمجال الثالث هو مواضيع الحوار.
أولى خطوات موسى افال
موسى افال الذي حظيّ بثقة ولد الغزواني، استهل مهمته بعقد سلسة من اللقاءات مع الطيف السياسي، افتتحها بإقامة مأدبة إفطار في 17 من مارس الماضي، أي بعد أسبوع واحد من تعيينه، على شرف رئيس تحالف المعارضة المنافحة ضد النظام بيرام الداه اعبيد.
ووصف اللقاء حينها بأنه يدخل في سياق “محاولة تمهيد الطريق للحوار المرتقب”.
بعد يومين من لقائه بيرام الداه اعبيد، استمع موسى افال في لقاء آخر، إلى ما وصفه رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” حمادي ولد سيدي المختار بممهدات وضمانات حوار، والتي “يجب أن تكون ضمن مرحلة تمهيدية لتهيئة الحوار وضمان نجاحه”، فيما قدم منسق الحوار عرضا أمام وفد قيادي من حزب “تواصل” تطرق خلاله لشرح مهمته خلال المرحلة الحالية.
المنظمات ومشاريع الأحزاب.. أي دور؟
لم تتوقف لقاءات موسى افال على الأحزاب السياسية المرخصة فقط، بل شملت مشاريع أحزاب وهيئات من المجتمع المدني، ومنظمات شبابية، وهيئات حقوقية.
وخلال أشهر حاول منسق الحوار الذي يريده النظام جامعا مانعا لا يقصي أحدا ولا يستثني موضوعا وفقا للمعلن، أن يظل مفتوحا أمام الحميع عبر لقاءات شبه يومية، جمعته بشخصيات شبابية، وممثلين عن منظمات مدنية، وحركات سياسية.
الأغلبية الحاكمة والموقف من الحوار
أحزاب الأغلبية بادرت بتقديم أجوبتها على أسئلة منسق الحوار، واختارت أن تعلن عن ذلك بشكل متزامن.
وقال رئيس حزب الإنصاف الحاكم سيد أحمد ولد محمد، إن الأغلبية ارتأت أن ترد بشكل جماعي على الرسالة التي وجهها المنسق الوطني للحوار عن رؤيتها حول القضايا الأساسية الضرورية من أجل تنظيم حوار سياسي على أحسن وجه.
تنسيق افتراضي.. رسالة واتسابية تثير الجدل
منسق الحوار موسى وبعد استلام مقترحات بعض الأحزاب السياسية والهيئات المدنية بخصوص الحوار، عمد في خطوة أثارت جدلا واسعا إلى إرسال وثيقة بوصفها “ملخصا أوليا مؤقتا لخارطة طريق الحوار”، إلى عدد من رؤساء وممثلي التشكيلات السياسية على تطبيق “الوتساب”.
رسالة “الواتساب” التي أراد لها افال أن تحمل رؤيته حول خارطة طريقة الحوارات حملات رسائل سياسية يصفها البعض بالسلبية حيث أبانت عن عدم الجدية في التعاطي مع الشركاء، بحسب البعض.
الرسالة التي يبدو أنها أُرسلت بصيغة “التوجيه الجماعي” لتصل رؤساء الأحزاب بشكل متزامن، أعادت أيضا التساؤلات حول طرق التعاطي الرسمي مع المواضيع المهمة والتي يفترض أن يتم نقاشها في فضاء من الجدية والرسمية، وفقا للبعض.
أطراف سياسية عدة عبرت “عن استغرابها واستهجانها لإرسال وثيقة بهذه الأهمية عبر تطبيق مراسلات، وبعيدا عن أي قواعد أو أساليب رسمية في المراسلة”.
عودة الحوار إلى الواجهة
التقرير الذي سلمه موسى افال أمس الإثنين لولد الغزواني، أعاد التداول الإعلامي لكلمة “حوار” إلى الواجهة، وفتح باب التساؤل حول مستوى اندفاع النظام في تنظيم الحوار الذي تعهد به ولد الغزواني في حملته الانتخابية الأخيرة؛ فهل يكون تسليم التقرير بداية للمرحلة الأهم من الحوار الوطني المرتقب ؟.