تعرضت دولة بنين الواقعة بغرب القارة الإفريقية لهجوم مسلح في 17 من أبريل الجاري هو الأعنف في تاريخها، خلف عشرات الضحايا من الجنود، وسط تباين في حصيلة القتلى، ففيما أعلنت الحكومة أنه خلف 54 قتيلا، قالت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تبنته، إنه أسفر عن مقتل 70 جنديا.
وبغض النظر عن العدد الحقيقي للقتلى والجرحى، فإن هذا الهجوم يأتي بعد أزيد من 3 أشهر على مقتل 28 جنديا بنينيا على يد ذات الجماعة، ما يعني أن استقرار البلاد الأمني بات مهددا بشكل جِدي.
ويعكس توالي الهجمات المسلحة، أن جماعة نصرة الإسلام التي يقودها الدبلوماسي المالي الأسبق إياد أغ غالي، والتي تأسست أوائل مارس 2017، بات نشاطها يتوسع نحو بنين المحاذية لبوركينا فاسو والنيجر، وذلك بعد أن ظل محصورا في هذين البلدين إضافة إلى مالي.
كما يعكس توالي الهجمات كذلك، هشاشة الإجراءات التي اتخذها نظام باتريس تالون لمواجهة الخطر المسلح، فالقوة المشكلة من 5 آلاف جندي التي نشرها على الحدود لا يبدو أنها جاهزة لخوض المعارك.
وقد وحَّد الهجوم الأخير المعارضة السياسية والمنظمات الدينية في بنين، وأعلن الجميع وقوفه ضد الخطر “الإرهابي”، وذلك في وقت تستعد فيه البلاد لتنظيم انتخابات رئاسية عام 2026، أعلن الرئيس الحالي في وقت سابق أنه لن يشارك فيها.
فعلى الصعيد السياسي دعت أحزاب معارضة بينها حزب “الديمقراطيون” و”الحزب الليبرالي” في بيانين منفصلين، إلى الوحدة والتضامن، واستلهام التضحية من الجنود الذين قضوا دفاعا عن وطنهم.
ودعت المعارضة كذلك حكومة تالون للقيام بمشاورات عاجلة مع نظيراتها في المنطقة خصوصا النيجر، وبوركينا فاسو ومالي، وتوغو، ونيجيريا، من أجل تشكيل قوة عسكرية مشتركة لمواجهة الهجمات المسلحة.
وعلى الصعيد الديني، تم توحيد خطبة الجمعة الأسبوع الماضي على مستوى آلاف المساجد في البلاد، بدعوة من الاتحاد الإسلامي، الذي يعد أعلى مؤسسة إسلامية في بنين.
وعبَّر مختلف الخطباء عن إدانتهم لهجمات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ضد الجيش البنيني، كما تقرر تنظيم جولة دعوية لمدة شهر في الكثير من القرى للحث على الابتعاد عن العنف والتطرف والكراهية.
لكن هذه الوحدة الداخلية، يقابلها توتر خارجي، فعلى الصعيد الإقليمي يأتي الهجوم الأخير في وقت تستمر فيه الأزمة الدبلوماسية بين بنين وجارتيها بوركينا فاسو والنيجر، نتيجة موقفها من الانقلابين العسكريين اللذين أطاحا بالرئيسين المدنيين روك مارك كريستيان كابوري، ومحمد بازوم.
ورغم أجواء التقارب التي طبعت علاقات بنين والنيجر مؤخرا، وهما اللتان تربطهما مصالح اقتصادية وتجارية واسعة، حيث ظل ميناء كوتونو يشكل متنفسا مهما للدولة الحبيسة، إلا أن نزع فتيل التوتر لم يتم بعد بشكل نهائي.
ولا يستبعد أن يوسع الهجوم الأخير هوة الخلاف السياسي بين بورتو نوفو ونيامي، وبينها وواغادوغو، فالنيجر وبوركينا فاسو طالما اتهمتا بنين التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع فرنسا، بأنها تؤوي قواعد عسكرية فرنسية هدفها زعزعة استقرار البلدين، والإطاحة بالنظامين العسكريين هناك.
وبالمقابل ظلت بنين تنظر بتوجس إلى الخطر القادم من الحدود مع النيجر وبوركينا فاسو، حيث ينشط تنظيما “القاعدة”، والدولة الإسلامية “داعش”.
وفي الوقت الذي يستمر فيه توتر علاقات بنين مع الجارتين المصنفتين ضمن الدول العشر الأكثر تضررا من “الإرهاب” على الصعيد العالمي، لا تخفي الجارة الغربية توغو انفتاحها على البلدين، والاستعداد للانضمام إلى التحالف الذي يجمعهما مع مالي، ما يجعل النظام البنيني في موقف صعب.
وعلى غرار توغو، سعت نيجيريا التي تحد بنين من الشرق، مؤخرا إلى تعزيز العلاقات مع النيجر، بعد التوتر الذي تسبب فيه موقف أبوجا من انقلاب أواخر يوليو 2023 ضد نظام محمد بازوم.
فهل تجبر هذه الاصطفافات الإقليمية بنين وهي تواجه خطرا أمنيا متصاعدا، على القيام بمصالحة حقيقية مع النيجر وبوركينا فاسو، من أجل تشكيل قوة مشتركة لمواجهة الجماعات المسلحة؟ أم أن الهجوم الأخير يدفع نحو المزيد من التأزيم؟
بنين.. في مرمى استهداف الجماعات المسلحة.. الخيارات الصعبة لنظام تالون
