spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

بريس نغيما رئيسا منتخبا.. هل يجسد القطيعة أم يكرس الاستمرار؟

يتجه الرئيس الانتقالي الغابوني الجنرال بريس أوليغي نغيما للبقاء في منصبه عبر البوابة “الانتخابية” هذه المرة، بعدما انقلب أواخر أغسطس 2023 على الرئيس المدني المنتخب علي بونغو أونديمبا.
وتظهر النتائج الأولية فوزا كاسحا للعسكري البالغ من العمر 50 عاما، على منافسيه السبعة، ومن ضمنهم وزراء سابقون في عهد بونغو، ومهنيون ينتمون إلى مجالات مختلفة، بينها الطب، والمحاماة، وريادة الأعمال.
وقد منحته النتائج الأولية نسبة 90.35% من أصوات الناخبين، في انتظار تثبيت ذلك لاحقا من طرف المحكمة الدستورية، كما جرت العادة.
وبتظيمه انتخابات رئاسية، جعل نغيما من الغابون أسرع الدول الإفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية خلال السنوات الأخيرة، خروجا من المسار الانتقالي نحو الحياة الدستورية.
ويعود نجاح الجنرال فيما فشل فيه رفاقه في بلدان أخرى، إلى عدة عوامل، منها الاستقرار السياسي والأمني للبلاد، والالتفاف الشعبي الواسع الذي حظي به بعد الإطاحة ببونغو الإبن.
وقد أعطى الجنرال انطباعا داخليا وخارجيا بأنه لا يريد الصدام مع أي كان، ولا التضييق على الحقوق والحريات، ولا تغيير الشركاء التقليديين للغابون، وهو ما جعله يفلت من العقوبات القاسية إقليميا ودوليا، حيث لم يواجه انقلابه بسوى تعليق عضوية ليبرفيل مؤقتا في منظمتي الاتحاد الإفريقي، والمجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا.
وقد وضع رجل الغابون القوي الذي أنهى حكم عائلة بونغو القائم منذ أزيد من نصف قرن – وإن كان يعد امتدادا لنفس العائلة فوالدته ابنة عم الرئيس السابق عمر بونغو – دستورا جديدا حدد الولايات الرئاسية في واحدة من 7 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وألغى منصب الوزير الأول.
وتعتبر هذه الخطوة مغازلة للرأي العام الداخلي والخارجي، ففي عهد “آل بونغو” كانت الولايات الرئاسية مفتوحة، بحيث يمكن للرئيس أن يظل في المنصب إلى أن يموت، كما حصل مع عمر بونغو الذي حكم 42 سنة قبل أن يوافيه الأجل، ثم خلفه ابنه علي بونغو عام 2009، وبقي طيلة 14 سنة ساءت خلالها وضعيته الصحية وتعرض لمحاولة انقلابية وظل في الحكم، إلى أن أطاح به بريس نغيما ورفاقه قبل أزيد من 19 شهرا.
ويعطي تحديد فترة الحكم في ولاية قابلة للتجديد مرة واحدة، إشارة بكسر هيمنة الحكم العائلي وفتح الباب أمام التداول على السلطة، وقد عضد بريس ذلك ببعض الخطوات الرمزية، كتغييره اسم “مطار علي بونغو” في العاصمة الاقتصادية “بورت جنتيل”، ليصبح “مطار جوزيف رندجامبي” الذي يعد رمزا سياسيا وطنيا معارضا لنظام عمر بونغو، وقد اغتيل عام 1990 في ظروف غامضة.
لكن الجنرال وعلى غرار مختلف الحكام العسكريين حاليا في المنطقة، لم يف بعهده تسليم السلطة للمدنيين، فسرعان ما خلع البزة العسكرية، وارتدى الزي المدني وترشح للرئاسة، متقفيا أثر “الماريشال” تشادي محمد إدريس ديبي إتنو.
وأمام العسكري الذي يشكل تمسكه بالعلاقات مع فرنسا النقطة المشتركة الوحيدة مع الرئيسين السابقين، طريق وعر لتثبيت أركان حكمه، ورسم مسار حكم مختلف – إذا كان بالفعل يرغب في ذلك – فنسبة الفقر في البلاد التي لا يتجاوز عدد سكانها المليونين و300 ألف نسمة، تزيد على 30%، رغم الثروات الطبيعية الكبيرة التي تزخر بها.
وتشير بعض الأرقام الرسمية، إلى أن النفط يمثل حوالي 38.5% من إجمالي الناتج المحلي للغابون، ونحو 70.5% من صادراتها السلعية، فضلا عن مقدراتها الكبيرة من المنغنيز والأخشاب، والأراضي الخصبة، إضافة إلى الموارد الساحلية ومصائد الأسماك، ومع ذلك يضرب الفقر بأطنابه في مختلف الأرجاء.
ولعل ما يعكس الفجوة الصارخة بين الموارد الكبيرة وانتشار الفقر في صفوف الساكنة القليلة في هذا البلد الواقع في غرب وسط القارة الإفريقية، هو انتشار الفساد، حيث يشير تقرير صادر عام 2022 عن منظمة الشفافية الدولية، إلى أن الغابون تحتل الرتبة 136 من بين 180 دولة شملها التقرير.
ويبقى الترقب الآن قائما لمعرفة ما إذا كان بريس نغيما سيشكل قطيعة حقيقية مع الوضع القائم، ويسعى للنهوض بالغابون وأوضاع ساكنتها، أم أن ما قدم من وعود وتعهدات لم يكن سوى شعارات فقط!.

spot_img