في خطوة بريطانية جديدة تعكس اهتمام المملكة المتحدة بالشراكة مع بلدان القارة الإفريقية، بدأ وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي زيارة لدولتي نيجيريا وجنوب إفريقيا، تركز على التعاون الاقتصادي والتجاري.
وتأتي جولة رئيس الدبلوماسية البريطانية في ظل سياقين لهما دلالة رمزية تجاه إفريقيا، أولهما أنها تعتبر أول زيارة له إلى القارة منذ عودة حزب العمال إلى السلطة في بريطانيا قبل أشهر، وثانيهما أنها جاءت يوما بعد انتخاب حزب المحافظين البريطاني كيمي بادينوك ذات الأصل النيجيري زعيمة له خلفا لريشي سوناك، وأصبحت بذلك أول سيدة من أصول إفريقية تتزعم حزبا سياسيا في بريطانيا.
وفيما تعد جنوب إفريقيا أكبر شريك اقتصادي لبريطانيا في القارة الإفريقية، ويهدف ديفيد لامي من خلال زيارته إلى تنفيذ عدة مبادرات من أجل تعزيز العلاقات التجارية معها، فإن نيجيريا تعتبر كذلك مستعمرة بريطانية سابقة، وقد حافظت بعد استقلالها على علاقات جيدة مع لندن اقتصاديا وتجاريا.
وخلال زيارته أبوجا سيوقع لامي مع نظيره النيجيري شراكة استراتيجية ثنائية بين البلدين، تركز على قضايا الاقتصاد والتجارة، والأمن القومي ومكافحة تغير المناخ.
وسيجري الوزير البريطاني كذلك مباحثات مع الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو، كما سيعقد في جنوب إفريقيا منتدى ثنائيا مع نظيره رونالد لامولا.
وبشكل عام تشكل زيارة وزير الخارجية البريطاني لإفريقيا، امتدادا لزيارات سابقة عديدة لمسؤولين رفيعين في البلاد، بمن فيهم الملك تشارلز الثالث، الذي زار نهاية أكتوبر وبداية نوفمبر من العام 2023 دولة كينيا، وكان رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، أول رئيس يستضيفه في قصر باكنغهام بعد توليه العرش البريطاني.
وتبدي بريطانيا اهتماما كبيرا بإفريقيا منذ خروجها رسميا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير 2020، فخلال نفس السنة استضافت لندن قمة مع إفريقيا، تم خلالها الإعلان عن صفقات بين الجانبين بقيمة تزيد على 6.5 مليار جنيه إسترليني، فضلا عن التزامات استثمارية أخرى تصل قيمتها 8.9 مليار جنيه إسترليني.
كما عقدت بريطانيا مؤتمرين افتراضيين مع القارة الإفريقية عامي 2021 و2022، بحث خلالهما أكثر من 3000 من البريطانيين والأفارقة الفرص المستقبلية لتعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية.
وفي أواخر ابريل من العام 2024، استضافت لندن مجددا قمة للاستثمار مع إفريقيا جمعت رؤساء وحكومات من 24 دولة إفريقية، فضلا عن عدد من كبار رجال الأعمال، وبحثت سبل تعزيز الشراكات بين الجانبين خصوصا في قطاعات التمويل والتكنولوجيا، وتشجيع ريادة الأعمال.
وتشير بعض التقديرات إلى أن حجم التبادل التجاري بين بريطانيا وإفريقيا بلغ نحو 33 مليار دولار عام 2018، مع وجود ما يناهز ألفي شركة بريطانية تعمل في الأسواق الإفريقية.
كما تبلغ استثمارات بريطانيا المباشرة في القارة حوالي 20 مليارا، وتعد الشركة البريطانية للنفط (BP) من بين أكثر الشركات العالمية حضورا في الأسواق الإفريقية.
وبتركيزها على الشراكة الاقتصادية والتجارية، تسعى بريطانيا إلى تجاوز الماضي الاستعماري، وفتح صفحات جديدة مع القارة الإفريقية، تقوم على تعاون مربح للجانبين، رغم أن مسألة التعويض عن انتهاكاتها خلال استعمارها عددا من بلدان القارة يظل مطلبا لدى بعض الدول، فقد طولب به الملك تشارلز الثالث خلال زيارته كينيا، وطرح الملف كذلك للنقاش مؤخرا خلال قمة للكومنولث.
وتمتلك إفريقيا ثروات معدنية كبيرة، تثير اهتمام دول العالم وبينها بريطانيا، حيث يتجاوز إنتاج القارة اليومي من النفط 5 ملايين برميل، وتملك نسبة تناهز 12% من احتياطيه العالمي، وحوالي 10% من احتياطيات الغاز العالمية، إضافة إلى نسبة 18% من إنتاج اليورانيوم المستخدم في الصناعات النووية، و33% من احتياطيات العالم من هذا الخام، كما تنتج القارة 40% من الإنتاج العالمي من الألماس.
وتستحوذ إفريقيا كذلك على 25% من الإنتاج العالمي للذهب، كما تتوفر على 50% من احتياطياته على مستوى العالم، فضلا عن امتلاكها مساحات شاسعة تقدر بنسبة 60% من الأراضي الصالحة للزراعة على مستوى العالم.