لا يعرف الكاميرونيون الكثير عن وضعية رئيسهم المعمر بول بيا، الذي تجاوز التسعين عاما دون أن يسأم من السلطة، فمنذ مطلع شهر سبتمبر الماضي لم يروه، بعدما بث لهم التلفزيون الرسمي جانبا من مشاركته في منتدى التعاون الصيني الإفريقي بالعاصمة بكين.
وقد أثار طول غياب بيا، دون الإعلان رسميا عن مكان وجوده ولا سبب تواريه عن الأنظار، الكثير من الشكوك لدى الكاميرونيين، رغم معرفتهم بشيخوخة رئيسهم، وتدهور حالته الصحية.
وازدادت حالة اللا يقين تلك، بعدما أعلنت قبل أيام قناة “ABC” الكاميرونية الخاصة والمعارضة الموجود مقرها بمدينة هيوستن الأمريكية، وفاة بول بيا استنادا وفقها على معلومات مستقاة من فرنسا، والكاميرون، وسويسرا.
وقد ردت الحكومة بعد صمت طويل على غياب الرئيس، بأن بول بيا يوجد بأوروبا في فترة إقامة خاصة وقصيرة، وسيعود في الأيام المقبلة إلى البلاد، لكن ذلك لم يقنع الكاميرونيين، وإنما أثار المزيد من الجدل، ما دفع وزارة الداخلية إلى إعلان حظر أي حديث علني في وسائل الإعلام أو على شبكات التواصل الاجتماعي عن صحة الرئيس.
ويقول من لا يعيرون اهتماما لتحويل السلطات حالة صحة الرئيس إلى تابو – وأغلبهم من معارضي نظامه – إن المشاورات جارية في سرية داخل وخارج البلاد من أجل الترتيب على نحو هادئ لما بعد بول بيا.
على الصعيد السياسي يخلق الجدل الدائر بقوة بشأن وفاة بول بيا، حالة من الارتباك حول إمكانية التفكير في خليفته، فالحزب الحاكم كان يستعد لإعلان ترشيحه لرئاسيات 2025، وهو أمر مألوف في معظم بلدان القارة، فالرئيس يظل يرشح، ويتحرى الترشيح حتى الوفاة، وعديدون هم الرؤساء الذين لم يغادروا الكراسي إلا على نعوش.
لكن الاتفاق داخل حزب “الحركة الديمقراطية للشعب الكاميروني” الحاكم، على بيا لا يحظى به غيره، فحتى نجله فرانك بيا البالغ من العمر 53 سنة، ورغم المساعي لتهيئته لخلافة والده منذ سنوات، لا يحظى بكامل دعم قادة ومناضلي الحزب.
ويعني ذلك أن أزمة سياسية مستحكمة ستنتظر البلاد بمجرد تأكيد وفاة بيا رسميا، أو إطالة أمد التكتم على حقيقة وضعيته الصحية، واستمرار عدم ظهوره للعلن.
وأمام عدم قطع الشك باليقين حول حقيقة صحة بول بيا، وحياته أو موته، بدأت كذلك التداعيات تلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي للبلاد، حيث تحدثت بعض وسائل الإعلام الدولية عن حالة من الخوف المشوب بالحذر تسود أوساط المستثمرين في الكاميرون، التي يشهد شمالها وجنوبها الغربيان أزمة انفصال مستعصية.
أما على مستوى الأسواق الدولية، فقد كان التأثير على السندات الكاميرونية محسوسا بشكل كبير، فبحسب وكالة بلومبيرغ، شهدت السندات الدولارية للبلاد انخفاضات على مدى 3 أيام متتالية، وإذا استمر الوضع على هذا المنحى، فإن الأمر قد يؤدي وفقها إلى ارتفاع تكاليف إعادة التمويل للكاميرون.
وليس الاقتصاد والسياسة وحدهما المتأثرين بالغموض إزاء مصير بول بيا، فعلى الصعيد الاجتماعي يمكن للانفصاليين الذين أعلنوا من جانب واحد عام 2017 عن دولة جديدة باسم “أمبازونيا” أن يستغلوا الوضع من أجل تحقيق مكاسب تحت يافطة “ما بعد بيا”، وفتح قوس جديدة نحو إقامة الدولة الأنغلوفونية المزعومة.
وعلى الصعيد الأمني، يمكن لجماعة “بوكو حرام” سواء نسختها الأصلية، أو فرعها الذي بايع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، أن تستغل حالة الارتباك الجارية لتنفيذ هجمات مسلحة، ما سيزيد من تدهور الوضع وتأزيمه.
إن التكتم على حقيقة وضعية بول بيا، يقود الكاميرون إلى وضع أصعب من الوضع الذي قد تكون عليه البلاد في حال أعلنت وفاته – في أسوأ احتمال – فهل يواصل نظامه الإصرار على ذلك؟ أم يتراجع قبل فوات الأوان؟