spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

كونفدرالية دول الساحل.. هروب من العقوبات؟ أم صحوة متأخرة؟

في خطوة تعزز القطيعة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو”، أطلقت النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي رسميا “كونفدرالية دول الساحل” كإطار جديد موحد لجهود هذه البلدان التي تحكمها أنظمة عسكرية وصلت السلطة عبر انقلابات، وتواجه ذات التحديات المرتبطة بالأمن وإشكالات التنمية.
وتبدو الأهداف المسطرة في “إعلان نيامي” طموحة، إذ تسعى الكونفدرالية الجديدة، التي يرأسها الرئيس الانتقالي المالي العقيد عاصيمي غويتا، إلى تعزيز اقتصادات البلدان الأعضاء من خلال مشاريع مشتركة في قطاعات استراتيجية كالمعادن، والطاقة، والزراعة.
كما قررت الدول الثلاث الحبيسة، التي خرجت في وقت سابق من مجموعة دول الساحل الخمس، إنشاء بنك استثماري وصندوق لدعم الاستقرار، إذ أن مناطق واسعة خصوصا الحدودية بين الدول الثلاث، يعتبر سكانها ضحايا لهجمات الجماعات المسلحة، المستمرة منذ أزيد من 10 سنوات.
وتضمن الميثاق المؤسس للكونفدرالية، والذي وقعه الجنرال النيجري عبد الرحمن تياني، والعقيد المالي عاصيمي غويتا، والنقيب البوركيني إبراهيم تراوري، التأكيد على التعاون العسكري من خلال القوة المشتركة التي تم الاتفاق عليها شهر مارس 2024.
ولا شك أن الدول الثلاث استفادت بشكل متفاوت من الشريك الروسي فيما يتعلق بالتزود بالأسلحة، ونشر القوات العسكرية، ولا يستبعد أن يكون بالتالي التعويل على روسيا فيما يتعلق ببناء القوة المشتركة، التي لم يعلن بعد عن عدد جنودها، ولا متى ستبدأ عملها بشكل فعلي.
وبغض النظر عن فرص نجاح أو تعثر هذه الكونفدرالية، فإن ثمة هدفا مهما غير معلن لا يمكن إغفاله، وهو بقاء الحكام العسكريين الثلاثة في السلطة لفترة طويلة، دون الخضوع لضغط خارجي إقليمي أو دولي، أو فرض عقوبات من ائتلاف تنتمي له بلدانهم.
كما أن مثل هذه الخطوة، يعزز تسويق شعار السيادة الذي يتبناه كل من الجنرال والعقيد والنقيب لدى الشعوب، إذ لا بد في كل مرة من إشغالها حتى لا تثور وتخرج مطالبة برحيل الحكام، ويأتي عسكريون على أنقاض المظاهرات ويطيحون بنظرائهم، وتعود الأوضاع إلى سيرتها الأولى.
إن ربط العسكريين تسليم السلطات لرؤساء مدنيين منتخبين، باستتباب الأمن المفقود منذ أزيد من 10 سنوات – بعد أن نكثوا بعهدهم في أكثر من مناسبة بشأن تنظيم الانتخابات وترك الحكم الذي وصلوه بالقوة – لا يعتبر في نظرهم كاف وحده، وإنما من المهم في كل مرة الإتيان بأفكار جديدة في إطار خيط السيادة الناظم.
وتعود فكرة خلق إطار يجمع بعض هذه الدول في مواجهة المستعمر الفرنسي السابق – والذي يعتبره القادة العسكريون الحاليون مستعمِرا جديدا كذلك – إلى عام 1959 حيث قررت كل من “داهومي” المعروفة حاليا ببنين، وبوركينا فاسو المعروفة حينها ب”فولتا العليا”، ومالي التي كان يطلق عليها قبل الاستقلال “السودان الفرنسي”، إضافة إلى السنغال، تشكيل “اتحاد فدرالي”، هدفه “توحيد المصير المشترك”، والرغبة في التحرر من الهيمنة الاستعمارية.
ولكن هذا الإطار أجهض قبل أن يولد، حيث لم تصدق “داهومي” و”فولتا العليا” على الاتفاق لاحقا داخل “برلمان الدول الفدرالية”، وبات الاتحاد مقتصرا على السنغال و”السودان الفرنسي”، قبل أن يتفكك بعد أزيد من 7 أشهر.
وقد عصفت الخلافات بهذا الاتحاد الفدرالي، ولعبت فرنسا دورا كبيرا في ذلك، إذ كانت ترى بأن وجود اتحاد فدرالي من شأنه أن يجعل مستعمراتها السابقة مستقلة بذاتها وفي غنى عنها، وبالتالي سعت للعمل على تفكيكه.
اليوم وبعد أزيد من 6 عقود على استقلال هذه الدول، ووصول عسكريين للسلطة في أحدث موجة من الانقلابات بالقارة، علق قادة مالي وبوركينا فاسو والنيجر، كل الفشل والتعثر الذي تشهده بلدانهم على فرنسا، وطردوها عسكريا.
وفي خضم ذلك، اقترح رئيس وزراء بوركينا فاسو أبولينير يواكيم كييليم دي تيمبيلا خلال زيارة له إلى مالي في فبراير 2023، على السلطات الانتقالية المالية تشكيل اتحاد فدرالي، يضم البلدين يكون “مرنا ويمكن أن ينمو بشكل أقوى ويحترم تطلعات” الطرفين.
وقد تعزز هذا التوجه بعد انقلاب جيش النيجر على رئيس البلاد محمد بازوم في يوليو من نفس العام، حيث بات هناك 3 رؤساء عسكريين مناهضين لفرنسا، ويعتبرون أنها توجه قرارات “سيدياو” المناهضة لهم، فقرروا الانسحاب من التكتل الإقليمي، وتشكيل اتحاد كونفدرالي.
فهل يلقى الاتحاد الكونفدرالي ذات مصير الاتحاد الفدرالي؟ أم يعمر أطول وينتهي بنهاية الأحكام العسكرية الانتقالية؟

spot_img