spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

رئاسيات 2024 بموريتانيا.. رسائل للمعارضة والنظام


لم تختلف كثيرا انتخابات 2024 الرئاسية في موريتانيا عن سابقاتها، من حيث إعادة انتخاب الرئيس منتهي الولاية، فقد ألفت البلاد مشهد إعادة انتخاب الرؤساء لولايتين أو أكثر، ولكن الاستحقاقات مع ذلك بعثت بعدة رسائل.


أولى هذه الرسائل أن أكثر من نصف الناخبين – وهي غالبية شبابية – داعم لبقاء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في السلطة – استنادا إلى النتائج المعلنة رسميا – وهذا يعكس أحد معطيين، إما أن الصوت الشبابي المعارض غير مؤثر ولا فاعل، أو أن هذه الفئة لا تتحكم في أصواتها كما فئات أخرى من المجتمع، لاعتبارات مختلفة هي التي توجه التصويت، جهوية أو قبلية، أو منفعية أو مصلحية، أو غير ذلك…
ويؤكد هذا الأمر حقيقة مفادها أن البون يظل شاسعا بين الواقع والافتراض، وبين “الصوت” والفعل، وبين الأماني والحقائق، وغيرها من المعاني وأضدادها.


أما ثاني الرسائل فتفيد أن بالصوت المعارض لم يغتال، حتى وإن دعمت بعض الشخصيات التقليدية في المعارضة النظام، أفرادا وجماعات وأحزابا.
فقد حقق الناشط السياسي والحقوقي بيرام الداه اعبيد نتائج معتبرة فاقت 22%، وحل بذلك ثانيا في ثالث مشاركة له في الانتخابات الرئاسية.
ففي رئاسيات 2014، حصل بيرام على أكثر من 8%، وكان الثاني بعد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي حصل على أزيد من 81% من أصوات الناخبين.
وفي رئاسيات 2019، حل بيرام في المركز الثاني بنسبة فاقت 18%، خلف محمد ولد الشيخ الغزواني الذي فاز بأزيد من 52%، وحل ثالثا سيدي محمد ولد بوبكر المدعوم من حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” بنسبة فاقت 17%.
كما أن حزب “تواصل” الذي يتولى زعامة المعارضة في موريتانيا على إثر تصدره نتائج أحزاب المعارضة في 3 انتخابات تشريعية متتالية – ورغم موجة الانسحابات التي شهدها سواء على مستوى قياداته أو مناضليه – ما يزال قويا وله شعبية كبيرة، جعلت مرشحه ورئيسه حمادي ولد سيدي المختار، الذي تنافس على الرئاسة للمرة الأولى، يحل ثالثا بنسبة فاقت 13%.


ومعلوم أن هذه ثاني انتخابات رئاسية يخوضها “تواصل” بمرشح من الحزب، حيث كانت المرة الأولى في 2009، حينما رشح رئيسه الأسبق محمد جميل ولد منصور، وحل رابعا بنسبة تجاوزت 4%، فيما فاز الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بنسبة أكثر من 52%، وحل رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير ثانيا بنسبة فاقت 16%، وقد دعم في الانتخابات الأخيرة المترشح محمد ولد الشيخ الغزواني، كما هو حال ولد منصور.
ومن بين رسائل هذه الرئاسيات، أن قوة المعارضة تكمن في توحدها خلف مرشح موحد – وهو أمر يكاد يكون ضربا من خيال في موريتانيا، عكس بعض دول المحيط الإفريقي، التي استطاعت فيها المعارضة الوصول إلى السلطة عبر مرشح موحد – فلو حصل ذلك لكانت منافستها أكثر شراسة، وربما تفرض على ولد الغزواني خوض جولة ثانية.
وقد كرست هذه الانتخابات في رسالة أخرى تستحق التوقف، معطى تقليديا ظل قائما منذ بدء التعددية الحزبية في موريتانيا قبل أزيد من 3 عقود، وهو أن المعارضة قوية في المدن الكبرى نتيجة الوعي، والنظام قوي في الداخل حيث الخزان الانتخابي، والكتلة الناخبة المرجحة للفوز.


وما لم تحقق المعارضة اختراقات ذات قيمة في الداخل الموريتاني، فإن وصولها إلى السلطة سيظل عصيا على التحقق، أو على الأقل سيتطلب الأمر فترة أطول.
وبالمقابل فإن من رسائل هذه الانتخابات أن سياسة “الهدوء والتهدئة والانفتاح” التي انتهجها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إزاء المعارضة، قضت على الفعل المعارض المنهك جراء عقد ساخن من مجابهة نظام محمد ولد عبد العزيز.
وكان من نتائج ذلك، فقدُ المعارضة وجودها في الشارع وصوتها الاحتجاجي، وباتت في أغلبها ما بين داعم وصامت، وهو ما أثر على صورتها وإقناعها، وأكسب الرئيس ولد الغزواني نقاط قوة منحته الفوز بولاية ثانية، ومن الجولة الأولى على غرار ما حصل عام 2019.

spot_img