بالمقارنة بين خطابي الأول من مارس 2019 و خطاب الليلة تجلت شخصية المرشح غزواني المتمسكة بمبادئ وقناعات أساسية تم التأكيد عليها اليوم بذات الدرجة قبل خمسة أعوام وخاصة فيما يتعلق ب :
- العدالة الاجتماعية
- الانفتاح والشراكة السياسية
- الاعتراف بالفضل لجميع الفاعلين والشركاء السياسيين
- الدعوة لنظافة المنافسة والثناء على صدق ووطنية المنافسين
- الواقعية المفرطة في عرض البرنامج
ويبدو أن المرشح فضل استخدام مصطلح “اللحمة الاجتماعية” بدل الوحدة الوطنية في جل ما يصدر عنه من نصوص مكتوبة أو خطابات .
وهو ما يدل على حالة تجاوز مقصودة لمصطلح “الوحدة الوطنية” ذي الحمولة السياسية إلى مرحلة المفاهيم ذات الدلالة الاجتماعية .
فقد تحولت التحديات من مخاوف الانقسام إلى تحديات العدالة الاجتماعية في الوطن الموحد .
وهو استخدام ذكي في نظري من حيث الإصرار على صقل المرحلة السياسية من عوالق الماضي والانخراط في المعالجات الكفيلة بالإنسجام داخل البنية الواحدة .
حرص غزواني في بداية خطابه على تنبيه المعنيين بالترجمة كتعبير شخصي عن حرصه للحديث لكل الموريتانيين بلغاتهم ، وهو ما عبر عنه بطريقة رمزية من خلال إلقاء التحية والترحيب بكل اللغات الوطنية .
وما عاد لتأكيده بطريقة أخرى حين تحدث عن محددات الدين والحضارة متجاوزا البعد الإثني ( الإسلامي والحضاري ).
كما تطرق لذات الموضوع في ثنايا حديثه عن مبررات وثمار مشروع المدرسة الجمهورية ومخرجاتها في التوظيف الذي يرى أن يشترط فيه إتقان الموظف في المستقبل للغة وطنية إضافة للغته الأم .
خلا الخطاب من كل صيغ المبالغة حتى في الحديث عن الوعود فقد كانت عبارات من قبل “كلما أتيحت الفرصة لذلك” ، ” قدر المستطاع ” ، وما شابهها من عبارات تدل على حرص المرشح على التعهد بكل الإصلاحات وفق مسطرة عمل قوية ومؤكدة لكن وفق الظروف .
إلا أنه عاد وصعد في لغة التأكيد حين تحدث عن الاستراتيجيات الباقية والمستمرة في برنامجه الجديد ، حيث بدأ الحديث عنها بعبارة ” لا تراجع عن “.
وعدد هذه الاستراتيجيات في أربع محاور هي :
- العناية بالفئات الهشة
- الأمن والاستقرار
- التهدئة السياسية
- المدرسة الجمهورية
ظهرت في الخطاب جوانب مهمة من شخصية المرشح والتي يمكن لبعضها أن يفسر غياب الدافع والاستغلال السياسيين للمنجزات .
فحين تطرق ـ على سبيل المثال ـ لموضوع المركب الجامعي تحدث عن قابلية توسعة جامعة انواكشوط لأن تكون جامعة جديدة تحسب له كمنجز مكتمل وكبير ومستقل ، لكنه رفض مقترحات بذلك من أعوانه لعدم اهتمامه بالقيمة السياسة للمنجز التنموي .
وظهر ذلك البعد أيضا من خلال اعتذاره عن تقديم حصيلته مكرها وفق التقاليد الانتخابية ، و عضد هذا الاعتذار بنسبية فضله إلى فضل كل الموريتانيين الذين اعتبرهم شركاء جميعا في كل ما تحقق بل وعاد ونفى الفضل عن نفسه .
أما من ناحية المضامين فيمكن تقسيم الخطاب الذي استهل به المرشح غزواني حملته الليلة إلى ثلاثة محاور أساسية هي :
- الحصيلة
- المشاريع المستمرة
- المشاريع المستحدثة
استعرض المرشح بعض حصيلته في الجانب المتعلق منها بالخدمات الأساسية الخادمة للطبقات الهشة والقرى والأرياف ( سنستعرضها لاحقا ) وهو تأكيد ذكي حرص عليه شخصيا على الرغم من الإعلان عن الحصيلة والبرنامج في كتيب تم نشره وتوزيعه (طموحي للوطن) وعلى الرغم كذلك من تكليف لجان حملته الإعلامية بشرحه وتسويقه على أوسع نطاق ، إلا أنه كان حريصا على إيصال هذا الجزء من حصيلته بنفسه نتيجة ما سيحظى به خطابه من متابعة ، وهذا يدل على أصالة البعد الاجتماعي في سياسة غزواني في جانبيها ، المنفذ والموعود .
أما المشاريع المستمرة فهي التي تطرق لها بلغة مبدئية انطلق في تبريرها من البعدين الإنساني والوطني .
وهي التي تطرقنا لها سابقا ( العناية بالطبقات الهشة ، الأمن ، التهدئة السياسية ، المدرسة الجمهورية ).
وهي البرامج التي تحدث عن تطوريها وتعميقها نتيجة ما حققته من نجاحات في البعدين الوقائي والبنائي .
أما البرامج المستحدثة فقد حاز منها الشباب نصيب الأسد .
و قد جاءت في شكل تعهدات كبرى من أهمها :
- استحداث مندوبية للشباب (تمكين) ستوفر لها كافة الإمكانيات والاستقلالية لتشكل رافعة تنموية فيما يخص التشغيل والتكوين والاستفادة من خبرات ومعارف الشباب وتوظيفها في قطاعات الإنتاج المهمة والكبري وإعادة هيكلة مشاريع التشغيل .
- مضاعفة أنتاج الشركة الوطنية للصناعة والمعادن بحلول العام 2029 ( نهاية مأموريته )
- إصلاح عميق لنظام التقاعد بشكل يكفل الحياة الكريمة والمريحة للمتقاعدين
- زيادة الرواتب عموما وبشكل خاص رواتب العاملين في قطاعات التعليم والأمن والصحة .
- إطلاق سياسة جديدة وصارمة لمحاربة الفساد
- إطلاق ثورة زراعية كبرى لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء
- إطلاق إصلاحات كبرى لتحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم وتصديرها وتحقيق الاكتفاء من الألبان ومشتقاتها .
- إصلاح عقاري يكفل استغلال كافة الأراضي الزراعية ويكفل مشاركة أكبر عدد من المستفيدين .
وتميزت هذه الالتزامات بكونها مشاريه وبرامج ثورية ، وهذا ما يفسر اختيار المرشح لها دون باقي البرامج المعروضة في مستند “طموحي للوطن” وأعتقد أن سبب اختياره لهذ البرامج هو حرصه على تسويقها بنفسه وإيصالها للجميع كالتزام صارم ومحدد .
في هذه التعهدات الجديدة كانت اللغة صارمة وقوية وبعيدة كل البعد عن القاموس الفضفاض ، وبلغت هذه القوة ذروتها حين تحدث المرشح عن استراتيجيته الجديدة لمحاربة الفساد ، حيث اعتبر أن كل الإصلاحات التي تمت في المأمورية الأولى كانت مجرد تأسيس قاعدي للاستراتيجية المنتظرة إذ تم في المأمورية معالجة المساطر القانونية ومضاعفة طواقم التفتيش وتفعيل مؤسساته .
واستخدم المرشح عبارة ” لن يكون بيننا مكان لمن تمتد يده للمال العام ولن تراعي في عقوبته أية اعتبارات ” وذلك في سياق الوعيد الصارم الذي اكتنف حديثه عن الفساد .