تستعد القوات الأمريكية التي يزيد عددها على الألف عنصر للانسحاب من النيجر، بناء على طلب من سلطات نيامي الانتقالية التي ألغت اتفاقية التعاون العسكري القائمة بين البلاد والولايات المتحدة الأمريكية منذ العام 2012.
وبالمقابل فتحت النيجر الباب أمام استقبال قوة عسكرية روسية، في مؤشر على تراجع الحضور الغربي بالمنطقة، مقابل تزايد الحضور الروسي، بعد سلسلة الانقلابات العسكرية التي عرفتها عدة دول بالساحل.
وفي خطوة شبيهة بما حصل في النيجر، تستعد واشنطن لسحب العشرات من عناصر قوتها الخاصة الموجودة في تشاد، التي يسعى رئيسها الانتقالي الجنرال الشاب محمد إدريس ديبي الذي خلف والده إدريس ديبي إتنو في السلطة، للفوز في انتخابات السادس من مايو الرئاسية.
ويتهم النظام تشادي سلطات واشنطن بدعم المترشح المعارض رئيس الوزراء سيكسي ماسرا، وهو ما جعل ديبي يتخذ قرارا مناهضا للوجود العسكري الأمريكي.
كما أن تقاربا لافتا حصل الأشهر الماضية بين تشاد وروسيا، حيث زار الرئيس الانتقالي محمد ديبي في يناير 2024 موسكو، وتباحث مع الرئيس فلاديمير بوتين، مؤكدا حرصه على تقوية العلاقات الثنائية “باعتبار أن تشاد دولة مستقلة ترغب في توسيع آفاق علاقاتها مع الدول الصديقة”.
وتعليقا على هذه الزيارة اعتبرت الرئاسة تشادية أن “الأجواء الودية والأخوية التي سادت هذا اللقاء بين الرئيسين، تشير إلى أن تقارب وجهات النظر بات حقيقة ملموسة أكثر مما مضى، وأن تأييد الدولتين لسياساتهما ستتمخض عنه الكثير من المصالح في القريب العاجل”.
ومن الواضح أن مناهضة الوجود العسكري الغربي التي انطلقت شرارتها من مالي، ثم امتدت إلى بوركينا فاسو، ولاحقا النيجر، يتوسع نطاقها الآن باتجاه تشاد، وإن كان الأمر في نجامينا ما يزال مقتصرا على رحيل القوات الأميركية فقط دون الفرنسية عكس الدول الثلاث الأخرى، لكن قد يكون ذلك الخطوة التالية في المرحلة القادمة ربما.
وتعكس حالة الصعود والهبوط هذه بين الغرب وروسيا في منطقة الساحل، مرحلة جديدة من الاستقطاب لا يستبعد أن تكون مؤقتة فقط، إذ أنها نتجت عن سياسة تبنتها مجالس عسكرية وصلت السلطة عن طريق انقلابات عسكرية، واتخذت – تحت شعار السيادة – من مناهضة الوجود الغربي مرتكزا لتعزيز بقائها في الحكم لفترة أطول.
ويعني ذلك أن رهان فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، وباقي الأطراف الغربية الأخرى التي كان لها حضور في المنطقة، سيكون على ما بعد الفترات الانتقالية، ووصول المدنيين للحكم، لمعرفة ما إذا كان بإمكانها العودة للمنطقة وتعزيز الحضور عبر إحدى بوابات التعاون المختلفة.
وبالمقابل تركز روسيا على تنويع مرتكزات تعاونها مع بلدان الساحل، فعلى الصعيد العسكري أعلنت عن “فيلق إفريقي”، عبارة عن تشكيل عسكري تم الكشف عنه مطلع العام 2024، يتوزع بين 5 دول هي ليبيا، وبوركينا فاسو، ومالي، وجمهورية إفريقيا الوسطى، والنيجر، وتحتضن ليبيا مقره المركزي.
كما عززت موسكو اتفاقيات التعاون الاقتصادي في مجالات مختلفة مع دول المنطقة، وهي بذلك تسعى إلى أن لا يكون وجودها مقتصرا على تقديم نفسها كبديل عن الغرب لدى حصول انقلابات عسكرية، وإنما كشريك دائم لدى الأنظمة المدنية كذلك.
إن نهاية ثنائية: الغرب أو روسيا، ستكون مرهونة بتحقيق الأمن والاستقرار في دول الساحل، حينها وحينها فقط ستكون بلدان المنطقة قادرة على التحرر من منطق التحالف مع طرف على حساب آخر، وتعتمد بدلا من ذلك تنويع الشركاء والحلفاء، ولا تقبل بأن تكون ساحة للتنافس الدولي غير الإيجابي، ولا أن تنقل إليها صراعات دولية خارجية.
أما في ظل تناسل الجماعات المسلحة، وعجز الدول عن بسط سيطرتها على ترابها وتأمينها، فإن هذه القطبية ستظل قائمة، وفي كل مرحلة يصعد نجم طرف، ويهبط آخر.