في خطوة تعكس أن النيجر حسمت أمرها لصالح المعسكر الروسي- الإيراني، أعلن المجلس العسكري الحاكم في نيامي منذ الانقلاب العسكري على الرئيس المدني المنتخب محمد بازوم نهاية يوليو 2023، إلغاء الاتفاق العسكري القائم بين البلاد والولايات المتحدة الأمريكية منذ نحو 12 سنة.
وقد بررت نيامي في بيان تلاه عبر التلفزيون الرسمي النيجري، المتحدث باسم حكومتها العقيد أمادو عبد الرحمن، هذه الخطوة بكون الاتفاق الملغى بمفعول فوري “غير قانوني” و”ينتهك كل القواعد الدستورية والديمقراطية”، رغم أن المجلس الذي ألغى الاتفاق، وصل السلطة عن طريق انقلاب عسكري يخالف هو الآخر القواعد الدستورية والديمقراطية.
واعتبر البيان أن الاتفاق الموقع في 6 من يونيو 2012، في عهد الرئيسين الأسبقين الأمريكي باراك أوباما، والنيجري محمدو إيسوفو “مجحف” وتم “فرضه أحاديا” من طرف الولايات المتحدة الأمريكية عبر “مذكرة شفوية بسيطة”.
وفي أول رد فعل من طرف واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إن الإدارة الأمريكية أخذت علما بقرار النظام العسكري النيجري، وإن ذلك تم بعد “مناقشات صريحة” بشأن المخاوف الأمريكية إزاء “مسار المجلس العسكري”.
والواقع أن هناك أسبابا أخرى وراء هذا التوتر اللافت في العلاقات الأمريكية النيجرية، إذ ليس ما يهم واشنطن هو المستقبل الديمقراطي في النيجر، وإلا لما طبعت مع الانقلاب العسكري وتركت حليفها محمد بازوم رهن الاعتقال منذ زهاء 8 أشهر.
كما أن القانون والدستور، هما آخر ما يمكن أن تفكر فيه سلطة عسكرية وصلت الحكم عبر انقلاب بالقوة على رئيس منتخب، لم يكمل بعد ولايته الرئاسية.
فهذه مجرد مبررات ظاهرية لأسباب أخرى غير معلنة، أو مسكوت عنها بشكل مباشر رسميا على الأقل، وشكلت الزيارة الأخيرة لوفد أمريكي بقيادة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية مولي في، بداية خروج بعض جوانبها للعلن.
إن من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية، لا تريد للمجلس العسكري النيجري التحالف مع روسيا وإيران خصميها الرئيسيين على الساحة الدولية، والتي يشكل التنافس على إفريقيا، جانبا من انعكاسها.
وبالمقابل لا يريد المجلس العسكري الحاكم في نيامي أن تقتصر شراكاته الخارجية على شركاء تقليديين كالولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا وغيرهما، لأنهم سيضغطون عليه في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ليس في عجلة من أمره لتسليم السلطة لرئيس مدني منتخب، ولذلك توجه نحو روسيا وإيران والصين، كحلفاء يمكن أن يساعدوه دون أن يزعجوه.
وهكذا حينما لم يتراجع عسكريو نيامي عن التحالف مع موسكو وطهران، ونفوا حديث بعض الأوساط الأمريكية عن توقيع اتفاقيات سرية مع البلدين، ضغطت الولايات المتحدة بشأن ضرورة أن يقدم المجلس العسكري أجندة انتخابية واضحة، وهو الذي يقترب من إكمال شهره 8 في السلطة، وكان أعلن من قبل أن فترته لن تتجاوز 3 سنوات، لكنه لم يحرز بعد أي تقدم بشأن الترتيبات اللازمة لتنظيم انتخابات وتسليم السلطة لرئيس منتخب.
وللتخلص من هذا الضغط، لجأ المجلس العسكري إلى سلاح إلغاء الاتفاق العسكري، الذي بموجبه تنشر الولايات المتحدة الأمريكية 1100 جندي على الأراضي النيجرية، ولديها قاعدة عسكرية كبيرة في أغاديز بشمال البلاد.
وبالمقابل يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تضغط من خلال فرض عقوبات على البلاد، الخارجة للتو من عقوبات أخرى اقتصادية ومالية قاسية، كانت مفروضة عليها من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو”.
ولكن هذه ليست إلا جولة أولى من التوتر، وبعدها سيحدد الطرفان بناء على المواقف وردودها، ما إذا كانا سيسيران نحو التصعيد، فتطرد النيجر القوات الأمريكية من أراضيها، وتقطع واشنطن مساعداتها وتفرض عقوبات تحت طائلة انتهاك الديمقراطية وحقوق الإنسان، أم أنهما سيكتفيان بهذه الخطوة، لكن وحده التراجع يكاد يكون مستحيلا.