خلال مؤتمر عقده اختار حزب حركة الخلاص الوطني في تشاد رئيس البلاد الجنرال محمد إدريس ديبي، رئيسا فخريا له، ومرشحا للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها نهاية العام الجاري.
وتأتي هذه الخطوة بعد موافقة غالبية الناخبين في البلاد على دستور جديد شهر دجمبر الماضي، روج النظام على أنه سيقود لتنظيم انتخابات رئاسية تسلم فيها السلطة للمدنيين، بعد تولي محمد ديبي السلطة على رأس مجلس عسكري منذ ابريل 2021.
ويبدو أن سيناريو ترشيح محمد ديبي – الذي تولى السلطة بعد مقتل والده من طرف المتمردين، عقب فوزه بولاية رئاسية سادسة، وقد حكم البلاد لأزيد من 3 عقود – هو ما كان يخشاه معارضوه، حيث اعتبروا أنه “سيمهد الطريق لاستمرار حكم سلالة ديبي”.
فبعد اختياره رئيسا انتقاليا عام 2021، وعد الجنرال الشاب البالغ من العمر 37 عاما، بإجراء انتخابات بعد فترة انتقالية مدتها 18 شهرا، لكنه مدد لاحقا فترته الانتقالية لعامين إضافيين، والآن يسعى للترشح للانتخابات الرئاسية، بعدما عين زعيم المعارضة سيكسي ماسرا رئيسا للوزراء.
وفي حال فاز محمد ديبي بالرئاسة لولاية من 5 سنوات، فإن الدستور يسمح له بالترشح مجددا، وهو ما يعني التوجه نحو البقاء في السلطة لأزيد من 13 سنة بين الفترة الانتقالية والفترة الانتخابية، وحينها يكون الجنرال والمشير قد أمضيا زهاء نصف قرن في السلطة.
وهي ظاهرة منتشرة في إفريقيا، ففي توغو مثلا خلف الرئيس الحالي فور نياسينغبي والده ياديما نياسينغبي بعد وفاته عام 2005 وقد أمضى في الحكم قبل رحيله 38 سنة.
وظل فور الإبن بالسلطة ويجري انتخابه في كل اقتراع، وينتظر أن يتنافس مجددا في الانتخابات المقررة عام 2025.
وفي الغابون، مكث عمر بونغو أونديمبا 42 سنة في السلطة، إلى أن توفي عام 2009، حيث خلفه ابنه علي بونغو أونديمبا وظل ينتخب هو الآخر إلى أن أطاح به انقلاب عسكري شهر أغسطس 2023، مباشرة بعد إعلان فوزه بولاية رئاسية ثالثة.
وفي الكونغو الديمقراطية، ورث جوزيف كابيلا السلطة عام 2001 بعد مقتل والده لوران ديزيري كابيلا الذي أمضى في الحكم أقل من 4 سنوات، حيث اغتيل على يد قائد حرسه.
وقد بقي جوزيف كابيلا في السلطة إلى أن سلمها سنة 2019 للرئيس الحالي فيليكس تشيسيكيدي في أول تناوب ديمقراطي في تاريخ البلاد، وسط حديث عن وجود اتفاق سياسي بينهما.
ولا يتوقع أن تخرج تشاد عن نسق إحدى هذه التجارب، فديبي الإبن إذا ما قرر التمسك بالسلطة واستمرار حكم والده في ظل نظام جمهوري، فإنه قد يتعرض لنفس مصيره، أو يتم الانقلاب عليه، لأن جو اللا توافق الآن في البلاد منذر بعدم الاستقرار.
فمجموعات التمرد تشادية الناشطة في ليبيا تهدد من حين لآخر نظامه، وبعض الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والاجتماعية ترفض ترشحه للرئاسة، وهذا هو نفس ما حصل مع الولاية السادسة لإدريس ديبي.
وإذا كان من الواضح أن محمد ديبي لن يقدم على قرار الترشح للرئاسة، إلا إذا كان هناك توافق من المجلس العسكري بمختلف جنرالاته، وموافقة المؤسسة العسكرية بشكل عام، فإن الاضطراب السياسي الداخلي، لن يجدي فيه تحول زعيم المعارضة إلى النظام، كما أن صد التمرد الخارجي لن يكون سهلا، والتاريخ القريب يؤكد ذلك.
ثم إن مساندة فرنسا التي أسهمت في تثبيت نظام ديبي الأب، ستكون مرهونة بمستقبل قواتها في البلاد، والتي تشهد مناهضة شعبية واسعة على غرار ما حصل في بعض دول الجوار.
فهل يجازف الجنرال الشاب بأن يحذو حذو والده في المسار والمصير؟