spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

تحالف G3.. إطار تكتيكي أم استراتيجي؟

في خطوة لم تكن مستبعدة، وقعت مالي وبوركينا فاسو والنيجر ميثاقا ثلاثيا يقضي بتأسيس “تحالف دول الساحل” كإطار جديد “للدفاع الجماعي والمساعدة المتبادلة” لصالح شعوب الدول الثلاث.

وينص ميثاق “ليبتاكو – غورما” وهي منطقة تلتقي فيها حدود الدول الثلاث، على أن تساعد البلدان الأعضاء بعضها البعض “بما في ذلك عسكريا، في حال وقوع هجوم على أي منها”.

كما ينص الميثاق الموقع من طرف رؤساء الدول الثلاث، على أن “أي اعتداء على سيادة ووحدة أراضي” أي من هذه البلدان “يعتبر عدوانا على الأطراف الأخرى، وينشأ عنه واجب تقديم المساعدة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن وضمانه”.

وتبدو واضحة من خلال ترتيب ما قبل الإعلان عن تأسيس هذا التحالف، ظلال روسيا، ذلك أن نائب وزير دفاعها يونس بك يفكوروف، زار كلا من بوركينا فاسو ومالي والتقى رئيسيهما، كما التقى وزير دفاع النيجر في باماكو.
وخلال زيارته لمالي حضر المسؤول الروسي اجتماعا مغلقا في مبنى وزارة الدفاع المالية، حيث تم تدارس ميثاق دفاع مشترك بين باماكو وواغادوغو ونيامي.

ويعني ذلك أن روسيا تريد تشكيل تحالف للدول الجديدة التي باتت تربطها بها علاقات قوية، وتقضي بذلك على تحالف “مجموعة دول الساحل الخمس” المحسوب على فرنسا.

وفي هذا الإطار فإن المرحلة المقبلة ينتظر أن تشهد حضورا عسكريا روسيا في بوركينا فاسو والنيجر، من خلال مجموعة “فاغنر” أو نشر عناصر من الجيش الروسي لتولي تدريب جيشي البلدين.

ومن الواضح أن الترتيبات قد قطعت خطوة بالنسبة لبوركينا فاسو، التي طردت القوات الفرنسية من أراضيها، فيما قد يأخذ الأمر وقتا في النيجر، التي يخوض المجلس العسكري الحاكم فيها توترا كبيرا الآن مع فرنسا، لكنه لم يفض بعد إلى انسحاب قوات البلاد من نيامي.

وقد تكون آثار روسيا أكثر وضوحا حين تعلن بوركينا فاسو والنيجر لاحقا انسحابهما من مجموعة دول الساحل، التي تأسست عام 2014 بنواكشوط، وحضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قمة الإعلان عن تأسيس قوة عسكرية تابعة لها، سنة 2017 بالعاصمة باماكو.

إن البلدان الثلاثة الأعضاء في “تحالف دول الساحل” تشترك في عدة نقاط، منها كونها محكومة من طرف أنظمة عسكرية وصلت السلطة إثر انقلابات على أنظمة مدنية منتخبة.

كما تشترك هذه الدول كذلك في التحدي الأمني، الذي كانت مالي مهد ظهوره عام 2012، قبل أن يصل لاحقا إلى بوركينا فاسو والنيجر.

ويربط هذه الدول كذلك مناهضتها للحضور الفرنسي بالمنطقة، والقرب من روسيا، وهي خطوة كانت مالي سباقة إليها، ويتقفى البلدان الآخران الآن أثرها.

وبالمقابل فإن هناك دولا أخرى في المنطقة تحكمها أنظمة عسكرية لكنها ليست مناهضة لفرنسا، وهذا يجعل من المستبعد أن تنضم للتحالف الجديد، ويتعلق الأمر بكل من غينيا كوناكري، وتشاد، وأيضا الغابون.

ويعني ذلك أن مجموعة دول الساحل التي تقترب من إنهاء عقدها الأول قد لا تتفكك، فقد تشهد انضمام دول جديدة بالمنطقة، كما أن النيجر وبوركينا فاسو قد تبقيان على عضويتهما، لكن دون تفعيلها.

ويبقى من الوارد التساؤل عما إذا كان “تحالف دول الساحل” استراتيجيا أم تكتيكيا فقط، بحيث ينتهي مع انتهاء وصول المدنيين للسلطة بالدول الثلاث، والذين قد لا يكونون بالضرورة موالين لروسيا.

لقد استدعى حكام مالي وبوركينا فاسو والنيجر شيئا من التاريخ، حين اختاروا اسم “ليبتاكو – غورما” لتحالفهم الجديد، فقد سبق أن انخرطت بلدانهم في تحالف بنفس الإسم عام 1970، أي قبل أزيد من نصف قرن، وكان طابعه اقتصاديا بحتا، وهو بعد يحافظ عليه التحالف الجديد مع إضافة البعد الأمني.

فهل يسهم استدعاء الماضي للحاضر في صياغة إطار أقدر على البقاء في المستقبل؟ أم أن الأمر وليد معطيات إقليمية آنية لا أكثر؟

محفوظ ولد السالك / كاتب صحفي متخصص في الشأن الإفريقي

spot_img