spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

النيجر وانقلاب صراع الإرادات.. لمن تؤول الكلمة الأخيرة؟

على نحو متسارع تتوالى تطورات الأوضاع في النيجر، إثر الانقلاب العسكري المفاجئ الذي أطاح قبل أيام بالرئيس المدني المنتخب محمد بازوم، بعد أزيد من عامين على انتخابه خلفا للرئيس السابق محمدو إيسوفو، في أول تناوب ديمقراطي على السلطة، منذ استقلال البلاد عن المستعمر الفرنسي عام 1960.

وفيما يحاول الجنرال عبد الرحمن عمر تياني ورفاقه، طي صفحة بازوم، على نفس الطريقة التي حصلت مع الرئيس الراحل إبراهيم بوبكر كيتا في مالي، وروك مارك كريستيان كابوري في بوركينا فاسو، وألفا كوندي في غينيا كوناكري، يبدي المنتظم الإقليمي والدولي حزما أكبر، من أجل منع تقويض التجربة الديمقراطية في النيجر.

وقد تجلت آخر المؤشرات على ذلك، في إمهال المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو” انقلابيي النيجر أسبوعا لاستعادة الشرعية والرجوع إلى ثكناتهم، وإطلاق سراح بازوم – رجل الغرب في منطقة الساحل- مهددة بالتدخل العسكري في حال لم يستجيبوا لذلك.

وقبل موقف “سيدياو”، الذي استبقه المجلس العسكري الحاكم في نيامي، بالتحذير من أنه إذا تدخلت قوات عسكرية في النيجر، فإن الجيش لن يتوانى عن الدفاع عن نفسه، حذر الرئيس الفرنسي من رد “فوري وشديد” إذا تعرضت مصالح فرنسا لأي هجوم، وهي التي يوجد لديها 1500 جندي بالنيجر، البلد الحبيس الواقع بغرب القارة الإفريقية.

وقبل هذا التهديد الفرنسي، الذي جاء بعد إضرام متظاهرين النار في جانب من مبنى السفارة الفرنسية بنيامي، وتخريبهم بعض أبوابها، أعلنت خارجية باريس تعليق المساعدات التنموية والدعم المالي لميزانية النيجر، فيما أعلنت واشنطن التي يوجد لديها أكثر من 1000 جندي بالبلاد أنها لن تتخلى عن بازوم.

وعلى غرار سيدياو، ودون تلويح بالتدخل العسكري، لكن دون استبعاده أيضا، أمهل مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي عسكريي نيامي أسبوعين، من أجل العودة للشرعية الدستورية.

ويبدو أن هذه الأطراف الأربعة، تنسق فيما بينها من أجل إعادة بازوم ولو بالقوة في حال أصر الانقلابيون على عدم التراجع عن خامس انقلاب في تاريخ البلاد.

ففرنسا لا تريد بأي حال من الأحوال أن تخسر حليفها الرئيسي الآن في الساحل، والذي كانت تسعى من خلال “وفائه” تجاهها أن تعيد الانتشار وتفعل الحضور في بلدان أخرى بالمنطقة، بعد الصفعات المتوالية التي تلقتها في مالي وبوركينا فاسو، لصالح روسيا.

والولايات المتحدة الأمريكية لديها قاعدة عسكرية في النيجر، وهي مهتمة بالحضور في المنطقة ولا تريد أن تستفرد بها روسيا، التي تناهض حربها على أوكرانيا، بل وتغدق الأموال السخية على كييف لمساعدتها في حربها مع موسكو التي تجاوزت العام والنصف.

أما بخصوص سيدياو فإن انقلابا عسكريا جديدا، بعد سلسلة الانقلابات الأخيرة يحرجها إلى أبعد الحدود، ويجهض التجربة الديمقراطية، التي ظن في وقت من الأوقات أن منطقة غرب إفريقيا بدأت نراكم بعض الإنجازات لصالح ترسيخها، مقارنة ببعض مناطق القارة الأخرى. 402

كما أن تعاطي الاتحاد الإفريقي مع الانقلابات السابقة، والذي اقتصر فقط على تعليق عضوية البلدان التي حصلت فيها، لم يرق لمستوى الانتظارات من هذه المنظمة، إزاء عبث العساكر بالمؤسسات الديمقراطية.

وفي مقابل مساعي هذه الأطراف، لا يريد الانقلابيون أن يكونوا معزولين، ولا يرغبون في الاستسلام، وذلك من خلال البحث عن تعضيد صفهم إقليميا ودوليا، فقد عدَّدَ القائد الانقلابي الجنرال عبد الرحمان تياني من ضمن أسباب الانقلاب، تعليق نيامي في عهد بازوم التعاون العسكري مع مالي وبوركينا فاسو، وهما بلدان جاران للنيجر، وشهدا 4 انقلابات منذ 2020.

أما على الصعيد الدولي، فإن المظاهرات الداعمة للانقلابيين في نيامي والتي خرج بعضها بدعوة مباشرة من الجنرال تياني، رفعت الأعلام الروسية ودعا مشاركون فيها إلى التحالف مع روسيا بديلا عن فرنسا، وهي رسالة مباشرة إلى موسكو لاستدعائها للتعاون.

وبين إرادتي طي صفحة بازوم، وإرجاعه للسلطة، تنتظر النيجر أياما صعبة من صراع الإرادات، يتداخل فيه المحلي مع الإقليمي والدولي، وقد تؤول فيه الكلمة الأخيرة إلى الأقوى على الأرض.

محفوظ ولد السالك / كاتب متخصص في الشأن الإفريقي

spot_img