spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

الانقلاب العسكري في النيجر: الأسباب والتداعيات

شهدت دولة النيجر منذ صباح يوم الأربعاء الموافق 26 يوليو 2023م محاولة انقلاب عسكري على الرئيس محمد بازوم, قامت بها قوات الحرس الرئاسي التي تمرَّدت على الرئيس، وقامت بالتحفُّظ عليه، ومنعه من الخروج من القصر الرئاسي حتى الآن، في خطوةٍ وُصفت بأنها تقلُّب مزاجي لدى قوات الحرس الرئاسي مدفوعةً بالسخط على الرئيس.

وعلى الرغم من استمرار المحادثات مع قوات الحرس الرئاسي للإفراج عن الرئيس وأسرته الموجودة معه بالداخل؛ إلا أنه تم رفض الإفراج عنه، ومع بداية الساعات الأولى من صباح يوم الخميس 27 يوليو 2023م؛ ظهر مجموعة من الجنود عبر التلفزيون الرسمي للنيجر، وأعلنوا عن إطاحتهم بالرئيس محمد بازوم, غير أنه لا تزال كل الأنظار تترقَّب ما الذي يمكن أن تُسفر عنه هذه المحاولة الانقلابية، وهل يمكن أن تنجح، وما هي الأسباب الحقيقية الداعية إلى تمرُّد قوات الحرس الرئاسي على الرئيس محمد بازوم؟

 

ومن خلال هذه القراءة الأولية للأحداث؛ يمكن أن نُسلِّط الضوء على تلك المحاولة الانقلابية من خلال النقاط التالية:

 

أولاً: تفاصيل محاولة الانقلاب العسكري:

 

مع بداية الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء 26 يوليو2023م قامت قوات الحرس الرئاسي بمنع الدخول إلى مقر إقامة رئيس النيجر محمد بازوم، ومقر رئاسة الجمهورية الموجودين في نفس المنطقة، وتم التحفظ على الرئيس وأسرته، ومنعهم من مغادرة مقر إقامتهم؛ حيث قامت مركبات عسكرية بغَلْق مدخل القصر الرئاسي.

وفي ردة فعل أولية قام حساب رئاسة النيجر عبر منصة تويتر بنشر تغريدة -حُذِفَت لاحقًا- جاء فيها: “إن بعض عناصر الحرس الرئاسي (GP) بدأوا بتنفيذ حركة استياء مناهضة للجمهورية، وحاولوا الحصول على دعم الجيش والحرس الوطني، لكنهم فشلوا في ذلك”. وأضافت التغريدة: “أن الجيش والحرس الوطني مستعدون لمهاجمتهم إذا لم يعودوا لرشدهم”، مؤكدة أن رئيس الجمهورية وعائلته بخير.

فيما أضافت مصادر أمنية أخرى بأنه قد تم منع الوصول أيضًا إلى مقرات الوزارات الواقعة بجوار القصر الرئاسي، مع منع العاملين داخل القصر الرئاسي من الوصول إلى مكاتبهم، بينما كانت حركة المرور عادية، مع استمرار بقاء الوضع على طبيعته في معظم مناطق العاصمة نيامي؛ حيث لم يُسمَع صوت إطلاق طلقات نارية، مع بقاء خدمة الإنترنت مُفعَّلة وتعمل دون انقطاع.

كما قام جنود مسلحون بمدافع رشاشة يجلسون في شاحنات صغيرة بالانتشار أمام مقر التلفزيون الرسمي والشوارع المؤدية إليه بالعاصمة نيامي.

ومع استمرار التحفظ على الرئيس مِن قِبَل قوات الحرس الرئاسي؛ أعلن مصدر مقرّب من رئاسة الجمهورية أنه قد جرت محادثات بين قادة الحرس الرئاسي والرئيس بازوم، دون الإعلان عن محتوى هذه المحادثات، والتي وُصِفَتْ بأنها فاشلة؛ لكونها لم تُسْفِر عن إنهاء حصار الرئيس، وتكهَّن البعض بأن هذه المحادثات كانت تتعلق بمحاولة إرغام الرئيس بازوم على التوقيع على قرار استقالته من رئاسة الدولة، لكنه رفَض ذلك الأمر، مما جعل قوات الحرس الرئاسي تستمر في اعتقاله حتى الساعة.

ومع بداية الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس 27 يوليو 2023م، ظهر العقيد أمادو عبدالرحمن، على شاشة التلفزيون الرسمي، جالسًا، ويقف بجواره تسعة من الجنود يرتدون زيًّا عسكريًّا؛ أبرزهم الجنرال عبدالرحمن تشياني رئيس الحرس الرئاسي، ونائبه العقيد إبراه أمادو بشارو، وقائد القوات الخاصة الجنرال موسي صلاح بارمو، ونائب رئيس قيادة الحرس الوطني أحمد سيديان؛ حيث تم إلقاء بيان الانقلاب، وإعلان تأسيس ما أسموه بالمجلس الوطني لحماية الوطن (CNSP)، وأعلنوا أنهم قرروا وضع حد للنظام الحالي بسبب تدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة، كما أعلنوا عن غلق حدود البلاد البرية والجوية، مع فرض حظر للتجوال اعتبارًا من الساعة 10 مساء حتى الخامسة صباحًا لحين إشعار آخر، مع تعليق العمل بالدستور وجميع مؤسسات الدولة، محذرين من أيّ تدخل أجنبي، مطمئنين للمجتمع الدولي بقولهم: إن السلامة الجسدية والمعنوية للسلطات المخلوعة ستُحتَرم وفقًا لمبادئ حقوق الإنسان، معلنين عن تمسكهم باحترام جميع الالتزامات الدولية التي تعهَّدت بها النيجر. بينما مصير الرئيس محمد بازوم ما يزال يحيط به الغموض؛ حيث قيل: إنه ما يزال محتجزًا هو وزوجته وابنه سالم، بينما بناته في باريس حاليًّا([i]).

 

ثانيًا: أسباب محاولة الانقلاب العسكري:

رغم انتشار خبر اعتقال الرئيس بازوم، ومحاولة الانقلاب عليه؛ فإن قادة التمرد من قوات الحرس الرئاسي لم تذكر الأسباب الداعية إلى الانقلاب على الرئيس بصورة واضحة، غير أن هناك بعض التفاعلات التي يمكن أن نَستشف من خلالها أسباب محاولة الانقلاب الجارية على الرئيس بازوم، ويمكن الإشارة إليها فيما يلي:

 

1- محاولة عزل رئيس الحرس الرئاسي الجنرال عبدالرحمن تشياني:

حيث قيل: إن السبب الرئيس لمحاولة الانقلاب العسكري على الرئيس بازوم هو اعتزامه إقالة الجنرال عبدالرحمن تشياني من منصبه كرئيس للحرس الرئاسي، والذي يتولاه منذ 2011م حتى الآن، مما أثار غضب الجنرال تشياني ورجاله الأكثر ولاءً له، ودفعهم للقيام بالتمرد على الرئيس بازوم، وحتى اللحظة الحالية لا يوجد أيّ تصريح للجنرال تشياني يؤكد أو ينفي صحة هذا الكلام.

غير أنه في حالة صحة الأمر، فإن سعي الرئيس بازوم لتغيير الجنرال تشياني من منصبه في رئاسة الحرس الوطني قد يكون راجعًا إلى رغبته في تعيين رئيس جديد للحرس الرئاسي؛ حتى يكون ولاؤه له شخصيًّا ويثق فيه ويطمئن له؛ حيث إن الجنرال تشياني خدم خلال ولايتي الرئيس السابق محمدو يوسفو، ومعروف بولائه له شخصيًّا أكثر من الرئيس بازوم، بل قيل: إن بقاء الجنرال تشياني في منصبه يعد بمثابة أداة للرئيس السابق محمدو يوسفو للتَّحكُّم في الرئيس بازوم، ويُخضعه له ويَضمن تنفيذ رغباته السياسية بطريقة غير مباشرة، وكأنه الحاكم الفعلي للبلاد.

وإذا صح ذلك التصور؛ فإن الرئيس بازوم قد يكون سعى للتخلص من تلك الهيمنة عليه، والتحرر من قبضة يوسفو من خلال عزل رجله الحديدي الجنرال تشياني، وهو ما كان سببًا لاندلاع ذلك التمرد؛ سواء مِن قِبَل الجنرال تشياني الذي شعر بأن نفوذه مُهدَّد من خلال تغييره، أو حتى بتشجيعه للقيام بذلك التمرد بدعم وتمويل قيادات النظام السابق للرئيس بازوم، أو حتى قد تكون محاولة عزل الجنرال تشياني ترجع إلى وجود قضايا فساد ضده جعلت الرئيس بازوم يبادر لتغييره، بل لا أستبعد وجود خلافات داخلية بين الرئيس بازوم وقيادات النظام السابق الذين ساعدوه في الوصول إلى السلطة جعلتهم يُدبّرون له ذلك التمرد نتيجة لهذا الخلاف الداخلي([ii]).

2- التشكيك في أحقية محمد بازوم بمنصب الرئيس:

حيث إن عملية صعود الرئيس محمد بازوم إلى كرسي الرئاسة في النيجر محل نظر وتشكيك لدى العديد من النُّخَب السياسية في النيجر، وخاصةً النُّخَب السياسية المنتسبة إلى المعارضة؛ وذلك لكون طريقة انتخابه وترشيحه خلفًا للرئيس السابق محمدو يوسفو تمت من خلال عملية الهندسة الانتخابية، والديمقراطية المدارة؛ حيث لعب نظام الرئيس محمدو يوسفو دورًا كبيرًا في تسهيل عملية إيصال بازوم للسلطة؛ رغم كونه من أقلية إثنية في النيجر، كما أن الرئيس بازوم ينتمي إلى قبيلة أولاد سليمان العربية القادمة من ليبيا، ولا يمثل العرب إلا نحو 0,4% من نسبة السكان في النيجر، وهو ما يجعل البعض ينظر إليه على أنه أجنبي وليس من أصول إفريقية، ولا يستحق منصب الرئيس.

ويشير البعض إلى أنه قد تم اختياره من أقلية إثنية ليسهل التحكم فيه مِن قِبَل النظام السابق الذي جاء به إلى السلطة، بل مع تزايد صعود أفكار العنصرية السوداء والدعوة لكراهية العرب مِن قِبَل بعض الباحثين الأفارقة؛ يوجد معارضون للرئيس بازوم وداعمون لإسقاطه؛ كراهيةً له؛ لكونه عربيًّا ومن أصول عربية، ولونه فاتح وليس أبيض، رغم محاولتهم إخفاء عُنصريتهم المقيتة بشعارات مسمومة، بل سعى معارضون لتولّيه السلطة إلى مَنْعه من الترشح من خلال التشكيك في أصوله النيجرية، وقالوا: إنه مولود خارج البلاد في ليبيا، وقدموا طلبًا لشطب ترشيحه لهذا السبب، لكن المحكمة الدستورية -أعلى سلطة في البلاد- قامت برفض طلبهم هذا([iii]).

 

3- اتهام الرئيس بازوم بعمالته لفرنسا والغرب:

حيث إنه مع تصاعُد مَشاعر العداء للوجود الفرنسي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، وبخلاف النظم الحاكمة في مالي وغينيا وبوركينا مع فرنسا والغرب، يتم التسويق لدعاية تصف الرئيس بازوم بأنه عميل لفرنسا في المنطقة, خاصةً في ظل وجود نحو 1500 جندي فرنسي في النيجر, مع تقديم فرنسا دعمًا عسكريًّا وسياسيًّا للرئيس بازوم؛ حيث يمكن استغلال ذلك في محاولة لإسقاط صورة بازوم شعبيًّا وإقليميًّا، وتشجيع الجنود للانقلاب عليه، واتباع مسار التجارب الانقلابية الأخيرة في غرب إفريقيا، وقد تكون تلك الدعاية المضادة بالفعل أحد الأسباب التي يمكن عَرْضها مِن قِبَل محاولي الانقلاب؛ لكونها تحظى بقبول شعبي مُجرَّب في مالي وغينيا وبوركينا فاسو([iv]).

 

4- احتمالية وجود فصائل وقيادات عسكرية مُصمِّمة على عزل بازوم:

حيث إن محاولة الانقلاب الجارية على الرئيس بازوم تُعدّ المحاولة الثالثة منذ توليه السلطة في أبريل 2021م، وقد جاءت أولى هذه المحاولات في 31 مارس 2021م قبل يومين من أدائه اليمين الدستورية؛ حيث تم إطلاق نار كثيف بالقرب من القصر الرئاسي في محاولة للانقلاب، لمنع تسلم الرئيس بازوم السلطة، لكنه تم القبض على المتمردين، وكان العقل المُدبِّر لهم نقيب في القوات الجوية يُدعى باسم ساني غوروزة، وقد قُبِضَ عليه في بنين، وتم تسليمه إلى السلطات في النيجر لاحقًا، وحُكِمَ عليه بالسجن لمدة 20 عامًا.

وثاني تلك المحاولات الانقلابية ما حدث في مارس 2022م؛ حيث تم القبض على وزير داخلية النيجر الأسبق عثمان سيسي بتهمة محاولة الانقلاب الفاشل على الرئيس بازوم، والذي كان حينها في زيارة لتركيا، وقد أُفرج عن عثمان سيسي لاحقًا؛ لعدم كفاية الأدلة.

ومن الواضح أن هذه المحاولات المستمرة لعزل الرئيس بازوم تشير إلى وجود الكثير من الفصائل المعادية للرئيس بازوم داخل المؤسسة العسكرية بفصائلها المختلفة، وهو ما جعله يقوم باستبدال العديد من العناصر المسؤولة عن ضمان الأمن داخل القصر الرئاسي؛ سواء من الحرس الرئاسي أو غيرهم؛ منعًا لحدوث تمرد عليه، غير أن المحاولة الانقلابية الجارية أثبتت عدم جدوى ذلك، بل إن تصريحات بازوم في يوليو 2021م أثارت غضب القيادات العسكرية، وزادت من سخطها عليه؛ حيث قال: “يجب ألَّا نسمح للجنود بتولي السلطة؛ لأن لديهم نكسات في الجبهة وفشل في مقاومة الإرهاب، وإذا صعد الجنود وأصبحوا رؤساء ووزراء من سيقوم بدورهم في حفظ الأمن والسلم وخوض الحرب”([v]).

 

5- احتمالية وجود دعم إقليمي لمحاولة الانقلاب على بازوم:

المتابع للوضع في غرب إفريقيا يُدرك وجود خلاف قويّ بين الرئيس محمد بازوم، وقادة النظم العسكرية الثلاثة في كلٍّ من مالي وغينيا وبوركينا فاسو، وخاصةً غينيا؛ حيث لعبت النيجر دورًا كبيرًا في دعم الإيكواس لفرض عقوبات على النظام العسكري الحاكم في مالي وغينيا، وهو ما سبَّب حالةً من العداء بين تلك النظم ونظام الرئيس بازوم؛ حيث استدعت وزارة الخارجية المالية سفير النيجر للاحتجاج على انتقاد الرئيس بازوم لاستيلاء القيادات العسكرية الحاكمة في مالي على السلطة، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي ماكرون، وهو ما جعل القيادات الحاكمة في مالي تسعى لتشويه صورة بازوم وتصفه بالعميل الفرنسي في المنطقة، بل قام عبدالله ديوب رئيس وزراء مالي المؤقت خلال حديثه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2022م بمهاجمة الرئيس بازوم، واتهمه بأنه ليس من النيجر، لكونه عربيًّا من قبيلة أولاد سليمان العربية، وهو ما جعل وزارة الخارجية في النيجر تدين تلك التصريحات وتصفها بالدنيئة، ولهذا لا يُستبعد وجود دور إقليمي في دعم محاولة الانقلاب العسكري على الرئيس بازوم مِن قِبَل أعدائه في المنطقة([vi]).

 

6- شبهة وجود مصلحة روسية في محاولة الانقلاب على بازوم:

حيث إن الرئيس بازوم يعد من أكبر حلفاء فرنسا في غرب إفريقيا، ويحتفظ بقوات فرنسية على أراضي بلاده بذريعة مكافحة الإرهاب، وهو ما يتعارض مع المطامع الروسية في استعادة نفوذها وتوغلها في القارة الإفريقية، من أجل كسر الهيمنة الفرنسية، والفوز في صراع النفوذ على فرنسا والغرب، والوصول إلى مناطق إفريقية جديدة تدعم صعودها في النظام العالمي الجديد، ولهذا فإن محاولة الانقلاب الجارية قد يكون لروسيا أصابع خفية فيها؛ لأنها تعمل على تأسيس نُظُم سياسية جديدة بالقارة يكون ولاؤها للجانب الروسي، وهو ما لا يمكنها نَيْله في ظل وجود الرئيس محمد بازوم حليف فرنسا في المنطقة([vii]).

 

7- تدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية:

 

حيث تم إعلان هذا السبب في بيان الانقلاب الذي أُذيع عبر التلفزيون الوطني؛ في إشارة إلى استمرار العمليات الإرهابية في النيجر، مع إخفاق الرئيس في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد خلال الفترة الماضية منذ توليه في أبريل 2021م.

 

ثالثًا: تداعيات محاولة الانقلاب العسكري الجارية في النيجر:

 

لقد أسفرت محاولة الانقلاب العسكري الجارية عن العديد من التداعيات والمواقف الداخلية والإقليمية والدولية حتى الآن، ويمكن الإشارة إليها فيما يلي:

 

أ- على المستوى الداخلي:

 

1- استمرار احتجاز الرئيس بازوم وزوجته داخل القصر الرئاسي حتى الآن، بل ووجود أحاديث عن اعتقال العديد من الوزراء في الحكومة من بينهم وزير الداخلية، كما أن وزير الدفاع الكاسوم إنداتو لا توجد أي أخبار عنه.

 

2- عدم تدخل قوات الجيش والحرس الوطني للتعامل مع القوات المتمردة من الحرس الرئاسي، رغم ما ورد في البيان الذي نشرته الرئاسة عبر حسابها على منصة تويتر من أن الجيش مستعدّ للتدخل لمهاجمة قوات الحرس الرئاسي لتحرير الرئيس، وأنه لم يستجب لدعوات الحرس الوطني للانضمام إليه.

 

3- فشل المحادثات التي تمت بين الرئيس محمد بازوم وقادة التمرد من قوات الحرس الرئاسي؛ حيث يبدو أنه رفض الاستجابة لمطالبهم في التوقيع على قرار الاستقالة، وهو ما أدى إلى استمرار اعتقاله.

 

4- وجود أنباء عن قيام الرئيس السابق محمدو يوسفو وشخصيات سياسية ووزراء سابقين للوساطة بين الطرفين للإفراج عن الرئيس بازوم؛ لكنها باءت بالفشل، كما صرح مصدر مقرّب من الرئيس أن المحادثات تعطلت، وأن الحرس الرئاسي الذي يَحتجز الرئيس تلقى إنذارًا من الجيش.

 

5- تضارب الأنباء حول سيطرة قوات الحرس الرئاسي التي تقود التمرد، على مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي؛ حيث أشارت بعض المصادر إلى نجاحها في السيطرة على المبنى، بينما أشارت مصادر أخرى إلى سيطرة قوات الجيش على المبنى؛ لينتهي الأمر بدخول قادة الانقلاب في النهاية إلى المبنى، وإذاعة بيان الانقلاب على الرئيس بازوم، معرفةً نفسها بأنهم يتلون بيان قادة الدفاع والأمن.

 

6- نزول مظاهرات شعبية مؤيدة للرئيس بازوم، أمام القصر الرئاسي، مطالبةً بسرعة الإفراج عنه، معلنةً تأييدها للرئيس؛ لكونه رئيسًا مدنيًّا مُنتَخبًا، صعد للسلطة بصورة ديمقراطية؛ على حدّ قولهم، وهو ما جعل قوات الحرس الرئاسي تطلق عليهم أعيرة نارية، في محاولة لتفريقهم، وهو ما أسفَر عن حدوث إصابات لبعضهم([viii]).

 

7- قيام أحزاب التحالف الحاكم في النيجر بالتنديد بمحاولة الانقلاب، ووصفها بالجنون الانتحاري المناهض للديمقراطية، معتبرة أن هناك عناصر معينة من الحرس الرئاسي قاموا بعزل الرئيس واعتقاله هو وأسرته ووزير الداخلية حمادو أدامو سولى، داعين لسرعة الإفراج عنهم.

 

ب- على المستوى الإقليمي:

 

1- موقف الاتحاد الإفريقي:

 

يتمثل موقفه في قيام موسى فقي محمد رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي بالتنديد بشدة بمثل هذه التصرفات التي يقوم بها الجنود، واصفًا إياهم بأنهم يتصرفون بخيانة تامة لواجبهم الجمهوري، ومطالبًا إياهم بالكفّ الفوري عن هذا المشروع غير المقبول، كما وجَّه الدعوة لشعب النيجر، وجميع أشقائهم في إفريقيا، وخاصة الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وفي العالم، للانضمام إلى إدانة هذه المحاولة بالإجماع، والعودة الفورية وغير المشروطة مِن قِبَل الجنود إلى ثكناتهم.

 

2- موقف الإيكواس:

 

من جانبها أدانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) المحاولة الانقلابية، داعيةً إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرئيس بازوم، وحذَّرت من تحميل جميع المتورطين المسؤولية عن سلامته، كما أعلن رئيس نيجيريا “بولا أحمد تينوبو” الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية الدورية للإيكواس أن قيادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لن تقبل أيّ عمل يُعيق الأداء السلس للسلطة الشرعية في النيجر، أو أي جزء من غرب إفريقيا، وأضاف أنه سيتم إرسال رئيس بنين باتريس تالون إلى النيجر للقيام بدور الوساطة لتسوية هذه الأزمة؛ حيث قال: إنه في الطريق إلى النيجر. من جانبه صرح رئيس بنين للصحفيين بأنه سيتم استخدام كل الوسائل، إذا لزم الأمر، لاستعادة النظام الدستوري في النيجر، لكن على أن يتم عمل كل شيء في سلام ووئام([ix]).

 

3- موقف دول الجوار:

 

من جانبهم أدانت العديد من دول الجوار محاولة الانقلاب، داعية إلى ضبط النفس والتمسك بالمسار السلمي والديمقراطي، وعلى رأس تلك الدول الجزائر ونيجيريا.

 

ج- على المستوى الدولي:

 

1- موقف الأمم المتحدة:

 

أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أي محاولة لتولّي الحكم بالقوة، ودعا إلى احترام الدستور النيجري، وقام كذلك بإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس بازوم ليطمئن على سلامته الشخصية، كما أعرب عن دعمه الكامل وتضامنه مع شخصه.

 

2- موقف الاتحاد الأوروبي:

 

أعلن الاتحاد الأوروبي على لسان مسؤول السياسة الخارجية فيه جوزيب بوريل عن إدانته لأي محاولة لزعزعة الديمقراطية وتهديد الاستقرار في النيجر، مؤكدًا على قلقه الكبير حيال الأحداث التي تجري هناك، مضيفًا أن الاتحاد الأوروبي ينضم إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في تنديدها بما يحصل في النيجر.

 

3- موقف منظمة الفرنكوفونية:

 

من جانبها دعت الأمينة العامة للفرنكوفونية لويز موشيكيوابو إلى احترام السلامة الجسدية والإفراج الفوري وغير المشروط عن رئيس النيجر، كما أدان أيضًا البنك الدولي ما حدث.

 

د- موقف القوى الدولية:

 

أعلنت العديد من القوى الدولية عن موقفها من محاولة الانقلاب العسكري في النيجر، ويمكن ذكر أبرزها فيما يلي:

 

1- موقف فرنسا:

 

فيما يتعلق بموقف فرنسا القوة الاستعمارية السابقة للنيجر، والحليف القوي للرئيس بازوم؛ فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية عن إدانة بلاده بشدة لأي محاولة للاستيلاء على السلطة بالقوة في النيجر حليفها الرئيسي في منطقة الساحل، كما أنها تراقب الوضع وتطوراته عن كثب.

 

2- موقف الولايات المتحدة الأمريكية:

 

طالبت واشنطن بإطلاق سراح الرئيس بازوم، وأكد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك ساليفان في بيان رسمي أن بلاده تدين بشدة أي محاولة لاعتقال أو إعاقة عمل الحكومة المنتخبة ديموقراطيًّا في النيجر، والتي يُديرها الرئيس بازوم. مضيفًا أنهم يطالبون بالإفراج عن الرئيس بازوم، والتوقف عن أيّ عنف، مشددًا على أن النيجر هي شريك أساسي للولايات المتحدة الأمريكية.

 

كما دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في مؤتمر صحفي إلى الإفراج الفوري عن الرئيس بازوم، قائلاً: سواء كان هذا يُمثل انقلابًا من الناحية الفنية أم لا، لا يمكنني القول؛ فهذا أمر يقوله المحامون، لكن ما يشكله بوضوح هو محاولة للاستيلاء على السلطة بالقوة وتعطيل الدستور([x]).

 

3- موقف ألمانيا:

 

في ذات السياق أعلنت وزارة الخارجية الألمانية عن قلقها من الوضع في النيجر، مشيرة إلى عدم وضوح الرؤية، كما صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية بأنه من السابق لأوانه الحكم على الوضع في النيجر، لافتًا إلى أن الجنود الألمان الموجودين في النيجر آمنون في الوقت الحالي. يُذْكَر أن الجيش الألماني يَحتفظ بقاعدة نقل جوي في العاصمة نيامي؛ لدعم المهام العسكرية في غرب إفريقيا، وتحظى هذه القاعدة بأهمية بالنسبة لعملية سحب القوات الألمانية الجارية من مالي المجاورة.

 

4- موقف روسيا والصين:

 

تبحث روسيا والصين عن مصالحهما في القارة الإفريقية، وخاصةً الموارد الطبيعية كاليورانيوم الموجود في النيجر، وغيره من الثروات المعدنية، ولهذا هي مستفيدة من سقوط النظام الموالي لفرنسا، وهو ما يُعبِّر عن عدم توافر معلومات واضحة تشير إلى موقف كلٍّ من روسيا والصين حتى الآن.

 

الخاتمة:

 

في ختام هذه المقالة يمكن أن نشير إلى السيناريوهات المستقبلية للمحاولة الانقلابية فيما يلي:

 

1- السيناريو الأول:

 

نجاح الانقلاب، وإكمال باقي خطواته، والدخول في المسار المعتاد للمراحل الانتقالية التي تلي الانقلابات العسكرية في إفريقيا؛ من وضع خارطة طريق، وكتابة أو تعديل الدستور، وإجراء انتخابات عامة جديدة، وغيرها من أمور لا تَخفى على المختصين.

 

2- السيناريو الثاني:

 

تمسك الرئيس بازوم بالسلطة، ورفضه الإجراءات التي تمَّت؛ وذلك لكونه لم يُوقِّع على قرار استقالة من منصبه، وهو ما يعني أنه هو الرئيس الشرعي للبلاد بصورة قانونية، ويمكن إفشال الانقلاب في حالة تقديم دعم خارجي دولي وإقليمي للرئيس أو دعم داخلي مِن قِبَل الشعب والحزب الحاكم والرئيس السابق محمدو يوسفو ورجاله الأقوياء داخل النظام، في حال عدم التوصل إلى صفقة سياسية تُؤمِّن مصالحهم.

 

أ. محمد الجزار /  باحث في شؤون السياسة الإفريقية

المصدر: مجلة قراءات إفريقية

 

(1)-” Tentative de coup d’État au Niger : le sort du président Bazoum est incertain ” , at , https://www.voaafrique.com/a/niger-le-pr%C3%A9sident-mohamed-bazoum-retenu-par-la-garde-pr%C3%A9sidentielle/7198531.html , 26/7/2023 .

 

)2)- Manon Laplace et Mathieu Olivier ; ” Tentative de coup d’État au Niger : qui est le général Tchiani qui défie Mohamed Bazoum ?” , at , https://www.jeuneafrique.com/1467487/politique/tentative-de-coup-detat-au-niger-qui-est-le-general-tchiani-qui-defie-mohamed-bazoum/ , 26/7/2023 .

 

(3)-” Niger : le régime du président Mohamed Bazoum renversé par des militaires ” , at , https://www.lepoint.fr/monde/niger-le-regime-du-president-mohamed-bazoum-renverse-par-des-militaires-27-07-2023-2529706_24.php , 27/7/2023 .

 

(4)- Possible coup d’État au Niger , at , https://www.ledevoir.com/monde/afrique/795189/tentative-de-coup-d-etat-au-niger-le-president-bazoum-retenu , 26/7/2023 .

 

(5)-” Niger soldiers launch coup, removing President Mohamed Bazoum from power ” , at , https://www.abc.net.au/news/2023-07-27/niger-soldiers-say-they-have-removed-president-from-power/102654416 , 27/7/2023 .

 

(6)- Coup attempt feared in Niger after reports of president’s seizure , at , https://edition.cnn.com/2023/07/26/africa/niger-presidency-attempted-coup-intl/index.html , 26/6/2023 .

 

(7)- Tentative de coup d’État au Niger, le président Bazoum retenu , at , https://fr.africanews.com/2023/07/26/tentative-de-coup-detat-au-niger-le-president-bazoum-retenu , 27/7/2023 .

 

(8)- Niger: le Gal Omar Tchiani, l’épée de Damoclès sur la tête de Mohamed Bazoum , at , https://beninwebtv.com/niger-le-general-omar-tchiani-lepee-de-damocles-qui-plane-sur-la-tete-de-mohamed-bazoum , 26/7/2023 .

 

(9)- Niger : après la tentative de coup d’Etat, la garde présidentielle disperse des partisans du chef de l’Etat, Mohamed Bazoum , at , https://www.lemonde.fr/afrique/article/2023/07/26/au-niger-l-acces-a-la-residence-du-chef-de-l-etat-bloque-par-des-membres-de-la-garde-presidentielle_6183453_3212.html , 27/7/2023 .

 

(10)- Niger soldiers say President Bazoum’s government has been removed , at , https://www.reuters.com/world/africa/soldiers-nigers-presidential-guard-blockade-presidents-office-security-sources , 27/7/2023 . /

spot_img