“فشلت في الدراسة، ولم يعد لدي خيار، سوى تسلق جدار المكسيك”.
هكذا أوضح سيدي الشيخ 21 سنة “اسم مستعار” لمدار، أسباب رغبته التي وصفها بالجامحة، “في الهجرة”.
وبدأ سيدي الذي كان يمتلك قاعة لمشاهدة مباريات كرة القدم، و” ألعاب فيديو”، منذ أكثر من شهرين، تحضيراته لهذه الخطوة التي يعتبرها مصيرية.
وحصل سيدي على دعم من والده يتجاوز مليونين أوقية قديمة، فيما استطاع هو تأمين مليون و700 ألف أوقية قديمة.
ويوضح سيدي لمدار، أنه فشل في الحصول على شهادة “الباكلوريا”، قبل أن يفتح قاعة لمشاهدة مباريات كرة القدم، والتي لم تؤمن له شيئا “سوى إيجار القاعة” حسب تعبيره.
ويضيف في حديثه لمدار:
“اتفقت مع والدي على هذه الخطوة، علها تمكنني من تغيير وضعية عائلتي.
بقائي في موريتانيا يشعرني بالفشل، وتأنيب الضمير، وسأهاجر بعد أيام، لأبحث عن ذاتي، بغض النظر عن العواقب”.
هجرة عشرات الشباب
لا شيء يعلو على الحديث عن الهجرة بين الأوساط الشبابية، منذ منتصف العام الماضي، بعدما وثق عشرات الشباب، مغامراتهم في هذه الخطوة، التي تفشت فكرتها بشكل كبير.
ومن بين الشباب الذين نجحوا في اجتياز الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، الشاب مولاي سيدي عالي، الذي استغرقت رحلته أكثر من شهر، عبر 8 دول.
ويؤكد مولاي لمدار، أن رحلته لم تكن مفروشة بالورود، فقد تكبد مشقة كبيرة، اجتاز خلالها عدة غابات، واستقر أياما في مخيم للاجئين بدولة بنما، قبل أن يصل إلى تيخوانا المكسيكية، التي تشكل المرحلة الأخيرة، قبل الوصول إلى الجدار.
ويقول مولاي لمدار:
“عندما تسلقت الجدار، اصطحبني عناصر من الأمن إلى مكتب الهجرة، وأمضيت أياما، قبل أن تكتمل إجراءات دخولي إلى بلاد العم “سام.”
ذهبت إلى ولاية “فيلادلفيا”، وبدأت العمل لدى الجاليات اليمنية، في انتظار الحصول على أوراق “إذن العمل”.
أطمح أن أمارس في هذا البلاد، مجال الإنتاج السمعي البصري الذي كنت أمتهنه في مويتانيا، ولست نادما على الهجرة أبدا.”
معظم المتدفقين مع موجة الهجرة الأخيرة، يستهلون رحلتهم بالعاصمة الإسبانية مدريد، ومن هناك يتوجهون إلى العاصمة الفرنسية باريس، ثم نيكارغوا، قبل التوجه إلى المكسيك، حيث يأملون الحصول على فرصة التسلل من المطار للذهاب إلى تيخوانا.”
تسلق الجدار الفاصل بين البلدين، “جدار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي بناه عام 2019″، لم يعد حلما يرواد الشباب فقط، فقد شهدت الموجة الأخيرة مغامرات، شاركت فيها بعض الفتيات اللواتي تواصلت مدار مع إحداهن.
وقد رفضت الفتاة التي تبلغ من العمر 25 عاما، الإفصاح عن الأسباب التي دفعتها للهجرة، مشيرة في حديثها مع مدار، إلى “أنها لا تفكر في العودة إلى موريتانيا على الإطلاق.”
خطف وتوقيف
خلال الفترة الأخيرة، أعلنت السلطات الأمنية بولاية باخا المكسيكية أكثر من مرة، توقيف عشرات المهاجرين غير القانونين، من بينهم موريتانيون.
وتحيل السلطات الموقوفين إلى المعهد الوطني للهجرة، مؤكدة أن المنظمات الدولية المختصة في حقوق الإنسان على علم بذلك.
وفي حال نجى بعض المهاجرين من مطرقة السلطات، يلتقطهم سندان العصابات، من أجل الحصول على فدية.
ومن بين الشباب الموريتانيين الذين تعرضوا للاختطاف بالمكسيك، دداه “اسم مستعار”، الذي تحرر الأسبوع الماضي، بعدما دفع ذويه فديته.
ويؤكد دداه الذي بدأ رحلته أواخر فبراير الماضي عبر عدة دول منها تركيا ونيكارغوا قبل الوصول إلى المكسيك، أنه كان على علم بتحرك العصابات، مشيرا إلى أنه فضل المجازفة “بروحه” على البقاء في موريتانيا.
ويوضح دداه لمدار:
“بعدما وصلت إلى تيخوانا ليلا أمضيت حوالي يومين في “نزل” مع أبناء عمومتي، دلني عليه أحد السماسرة.
وفي اليوم الثالث وصلت 3 حافلات إلى حيث نقيم، ركب أحد أقربائي في الحافلة الأولى، فيما ركبت أنا الثانية، بينما ركب الآخرون في الحافلة الأخيرة، تنفيذا لتعليمات السمسار.
وأثناء الطريق، اعترضت عصابة مسلحة طريقنا، وسمحت للحافلة الأولى والأخيرة بالمغادرة، فيما قررت توقيف الحافلة التي كنت على متنها، حيث سلبونا كل ما نملك.”
ويضيف داداه:
“أخرجوا جميع الموريتانيين من الحافلة بعد تفقد جوزات السفر، كما أخرجوا سيدة تحمل الجنسية الفلسطينية.
وكان من بين أفراد العصابة، من يتحدث اللغة العربية.
جمعونا في غرفة واحدة، وأخبرنا المستعرب، أنه سيتم توفير كافة متطلبات الإقامة، باستثناء الخروج، الذي يتشرط دفع ألفي دولار، مع ضمان التوصيل إلى الجدار.
سمحوا لنا بإجراء مكالمة واحدة في اليوم مع عائلاتنا.
دفعت عائلتي المبلغ المطلوب، وحولته عبر “ويستريون يون”، قبل أن يأخذوني بعد ذلك بيوم على متن سيارة من نوع “هيليكس”، رفقة بعض المهاجرين، اتجاه إلى الجدار.”
ورغم الخطف، وتوقيف المهاجرين، مازلت غريزة الهجرة تجتاح بعض الشباب، على غرار الخليل ولد الشيخ، الذي يدرس في جامعة نواكشوط العصرية.
ويوضح الخليل لمدار، أن “العائق الوحيد أمام الهجرة”، هو “تأمين تكاليف الرحلة”.
ويشير الخليل، إلى أن مصيره “بعد التخرج، سيكون البطالة لا محالة.”
ومن جهة أخرى يقول الشاب شيخنا ولد الشياخ، إنه ليس “من من يدعمون الهجرة، أو يطمحون لها أبدا”، موضحا أنه يريد “من أبناء الوطن أن ينهضوا بدولتهم ويبنوها على أكمل وجه”.
ويضيف شيخنا :
” لم أحقق أهدافي بعد، لكني متأكد أنني على الطريق الصحيح وسوف أصل يوما ما.
أعمل في بلدي ولدي شعور بالأمان، وأمارس جميع حقوقي وحريات، وهذا هو الأهم”.
بلاد “العم سام”، لقب حصلت عليه عليها الولايات المتحدة الأمريكية عام 1813، ويستخدم كرمز للبلاد وحكومتها.
وقد أصبح هذا المصطلح رائجا بين الشباب الموريتانيين، الذين أصبح طموح أغلبهم، الوصول إلى ما أسموه بلاد” العم سام”.
وقد أعرب عشرات الشباب الذين تحدثت إليهم “مدار”، عن رغبتهم في الوصول إلى تلك البلاد، في حال توفرت لهم الإمكانيات.