وسط حديقة صغيرة بمزارع ولاية نواكشوط الشمالية، يأخذ البستاني أعمر ولد ابياي قيلولته تحت ظل إحدى الشجيرات، على وقع شريط قديم للفنانين “سدوم ولد ليده، والراحلة ديمي بنت آبه”، وذلك بعد عملية الري التي استغرقت ساعات.
ولا شيء يعكر صفو جو ولد ابياي الهادئ، المنعزل عن صخب المدينة، سوى التفكير في كيفية المحافظة على توفير المياه لري النباتات، بحسب حديثه لمدار، مؤكدا أن أزمة المياه هي أكبر مشكلة يواجهها مزارعو العاصمة نواكشوط.
ويقول أعمر لمدار:
“استصلحت هذا الحيز الترابي للزراعة 2006، وهو مصدر الدخل الوحيد الذي أعيل منه أسرتي، وبعض أفراد عائلتي.”
ويضيف ولد أعمر:
“أكبر مشكلة تهدد بقاء هذه المزراع، هي ندرة المياه، وهي التي تمنعنا من زراعة بعض أصناف الخضروات كالجزر، والطماطم، والبطاطس، نظرا للكمية الهائلة من الري التي تتطلبها، وهو أمر يفوق مقدرونا المادي.
ننتظر فقط توفير المياه الصالحة للري والشرب من طرف السلطات، وبإمكاننا بعد ذلك تدبر المصاريف الشهرية.”
وفي ركن آخر من هذه الحقول، يتفقد محمد ولد صمب مزرعته التي تضم أصنافا معتبرة من النباتات، ويتعامل ولد صمب كغيره من المزارعين، مع بعض النساء لتسويق منتجاته داخل أسواق نواكشوط، ويتراوح دخله اليومي بين 8 آلاف و15 ألف أوقية قديمة.
ويعاني ولد صمب أحيانا، من غزو الطيور للمحاصيل بحسب حديثه لمدار، لكنه يتشارك مع زميله ولد أبياي هموم مشكلة المياه، بعد شهر من انقطاعها عن هذه المزارع التي أضفت مشهدا زاهيا على الشوارع.
ويقول محمد ولد صمب لمدار:
“بعد شهر من انقطاع المياه، لجأنا إلى حفر بئر ارتوازي من أجل توفير المياه، وقد كلفنا ذلك حوالي 260 ألف أوقية قديمة.
نستخدم مياه هذا البئر لري النباتات، وفي نفس الوقت للشرب، رغم الملوحة التي تلازمه.”
توفر هذه المزارع بشكل عام، الخضروات الورقية، كالبصل الأخضر، والنعناع، وأحيانا الليمون، وبإمكان هذه الحدائق، زتوفير جميع أصناف الخضروات، إن وفرت الوسائل اللازمة لذلك، حسب محمد المختار ولد أعل، الذي يستعد للذهاب ببعض محاصيله إلى سوق الخضروات المعروف محليا ب”مسجد المغرب” من أجل بيعها.
ويجمع ولد أعل كميات من النعناع والبصل الأخضر في حقيبته، قبل أن يقول لمدار:
“نحن هنا نعرف جميع المكونات التي تتطلبها الزراعة بشكل عام، لكن أزمة المياه أجبرتنا على زراعة الخضروات الورقية فقط.
أدفع شهريا مابين 18 ألف أوقية لفاتورة المياه، وندفع كمجموعة من المزارعين، أكثر من 100 ألف أوقية، ومع ذلك نعاني من عدم استمرارية المياه، وقد لجأ أغلبنا إلى حفر الآبار، للتخفيف من تداعيات أزمتها.”
الأسمدة
وتنضاف إلى مشكلة المياه، مشاكل أخرى تتعلق بندرة الأسمدة التي تحتوي على مغذيات لنمو النباتات، حيث لم توفر لهؤلاء المزارعين سىو كميات قليلة منها هذا العام، حسب قول المزارع سيد أحمد ولد علي، الذي أكد في حديثه لمدار عدم وفاء السلطات بجميع التزاماتها المتعلقة بتوفير الأسمدة والمياه، لدعم المزارعين.
ويقول سيد أحمد:
“زارنا منذ فترة وزير الزراعة، حيث أكد لنا عزم الحكومة على دعم هذا القطاع من أجل توفير الأمن الغذائي للبلاد، ووعدنا بتوفير المياه، ومادة الأسمدة.
وبعد فترة، وصلتنا كميات قليلة من الأسمدة، حيث خصصت لكل 10 مزارعين، ما ينهاز 25 كلغ من هذه المادة، وهي كمية بالكاد تكفي لمزرعة واحدة.
ننتظر الآن دعم السلطات عبر تسوية أزمة المياه والأسمدة، حتى يمكننا توفير جميع احتياجات السوق الموريتاني.”
بالإضافة إلى مشكلتي المياه، والأسمدة، يعيش هؤلاء الفلاحون وسط قلق كبير، خوفا من ترحيلهم من هذا المكان، خاصة أنهم لا يملكون أي سند قانوني يثبت ملكية الأراضي التي تعود للدولة، وقد تضررت عشرات المزارع قبل فترة، حين قررت السلطات شق طريق داخلها، دون أن تدفع تعويضات للمتضررين.