أعلن الرئيس الغاني نانا أكوفو أدو قبل أيام، أن بوركينافاسو وقعت اتفاقا مع مجموعة “فاغنر” الروسية، ومنحت لها بموجبه منجما في جنوب البلاد، مقابل نشرها قوات خاصة لمساعدتها في التصدي للجماعات المسلحة، التي تسيطر على نسبة 40% من مساحة هذا البلد غرب الإفريقي، البالغة 274400 كلم مربع.
وقد أثار هذا الإعلان الذي تم على هامش أعمال القمة الأمريكية الإفريقية في واشنطن، غضب سلطات بوركينافاسو، فاستدعت وزارة خارجيتها على عجل سفير غانا بواغادوغو للاحتجاج، وسفير البلاد بأكرا للتشاور.
لكن سلطات الجارة الشمالية لغانا، لم تنف أن يكون الاتفاق، الذي يحظى بمطلب شعبي داخلي واسع قد حصل بالفعل، خصوصا وأن رئيس وزراء بوركينافاسو زار موسكو مؤخرا، والتقى عددا من كبار المسؤولين الروسيين.
وقبل الزيارة كثف السفير الروسي الجديد لدى واغادوغو لقاءاته بمسؤولين في المجلس العسكري الانتقالي ببوركينافاسو، ما يعني وجود ترتيبات معينة بين الطرفين.
وسواء تم بالفعل اتفاق بين نظام النقيب إبراهيم ترواري، ومجموعة “فاغنر” التي تلقى التهنئة من مؤسسها يفغيني بريغوزين، بعد انقلابه على نظام العقيد بول هنري سانداوغو داميبا نهاية سبتمبر الماضي، أو لم يحصل بعد ذلك – لكن الترتيبات بشأنه جارية – فإن بوركينافاسو تحاول الاستلهام من تجربة مالي دون أن تتوتر علاقاتها مع فرنسا.
فقبل أسابيع قليلة طلبت البلاد من فرنسا مساعدتها في التصدي للجماعات المسلحة، ما يعني أنها تريد شراكة متعددة الأطراف، تستفيد عبرها من فرنسا ومن روسيا غيرهما.
ولكن مدى قدرتها على التوفيق بين شركاء متشاكسين، سيشكل تحديا كبيرا، فموسكو ستضغط من أجل إخراج فرنسا، على غرار ما حصل في مالي وإفريقيا الوسطى، وباريس ستسعى لأن تظل البلاد ضمن نطاق نفوذها التقليدي، ولو تطلب ذلك رسم خطة تعاون جديدة تكون مقبولة لدى نظام تراوري، ولكن بشرط الابتعاد عن التعاون مع روسيا، وهو ذات التوجه الذي تتبناه مختلف الدول الأوروبية، والولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن بوركينافاسو قد تسعى كذلك إلى توسيع نطاق شراكاتها لتشمل أطرافا أخرى، كالصين التي لا تهتم في علاقاتها مع الدول لقضايا الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات، وإنما تركز فقط على البعد الاقتصادي.
وبالمقابل فإن واغادوغو لن تغلق الباب أمام التعاون مع واشنطن، رغم عدم دعوتها إياها للمشاركة في أعمال القمة الأمريكية الإفريقية للمختتمة قبل أيام، بمبرر أنها معلقة العضوية في الاتحاد الإفريقي بسبب الانقلاب العسكري الأخير.
وفضلا عن ذلك، فإن سلطات بوركينافاسو الانتقالية، قد تسعى أيضا لتعزيز الشراكة مع تركيا، بالنظر للحضور الواسع لها في القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة.
ومن الواضح أن نظام تراوري ينطلق من معطى أن بلاده غير قادرة على مجابهة الجماعات المسلحة، وأن انخراط 50 ألف متطوع مدني في القتال مع العسكريين – وهو القرار الذي تعارضه بشدة الولايات المتحدة الأمريكية – لن يشكل حلا جذريا للأزمة الأمنية المستحكمة، إذ تبقى الموارد المالية، والقدرات العسكرية عائقا كبيرا.
كما أن النهوض بالتنمية خصوصا في المناطق الأكثر هشاشة في البلاد، يحتاج هو الآخر إلى موارد ليست لدى بوركينافاسو البلد الحبيس والفقير.
وانطلاقا من ذلك يبدو تراوري ورئيس وزرائه المحامي ورئيس مركز البحوث الدولية والاستراتيجية بواغادوغو، أبولينير يواكيم كييليم دي تيمبيلا، أقرب إلى اعتماد نهج براغماتي في العلاقات الخارجية للبلاد، وهو ما قد يمكنها من تحقيق استفادة أكبر.
فمعاداة الشركاء تستدعي ندية أكبر، وقدرة على المناورة والتأثير، وهي شروط لا تتوفر في أي من دول المنطقة، وبالتالي فإن تفضيل إحداها لشريك على آخر يفوت عليها فرص استفادة بحاجة إليها، أما الدخول في صراع مع شريك خارجي، فإنه قد يكسبها سندا شعبيا مؤقتا، لكنه يفقدها بالمقابل أشياء كثيرة.
وبطبيعة الحال فإن هذا لا يعني أن تقبل أي دولة بانتهاك سيادتها، واستنزاف خيراتها، ولا عدم مراجعة الاتفاقيات مع الشركاء طبقا لمصلحتها، لكن كل ذلك شيء، والصراع شيء
آخر، فهل تنجح بوركينافاسو فيما فشلت فيه مالي؟
محفوظ ولد السالك كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية