في ساعات الصباح الأولى من فجر الخميس، استيقظت شبابيك مركز استقبال المواطنين في مقاطعة لكصر كعادتها على تجمع عشرات المواطنين، وسط هدوء يسبق الامتعاض الذي تؤججه أشعة الشمس.
لاشيئ تفترشه هذه الجموع التي ضمت أجيالا مختلفة من الجنسين، سوى انتظار إطلالة سيدة من شباك زجاجي، لتلبية مطالبهم..
من بين المواطنين الذين تجمعوا خلف الشباك، الشاب أبوبكر ولد إميجن الذي وصل المركز بعد صلاة الصبح مباشرة من أجل الظفر بأحد المراكز الأولى من طابور تجديد بطاقة التعريف الوطني، وذلك بعد أيام من التنقل بين مراكز العاصمة نواكشوط، دون أن يحقق المأمول.
يقول أبوبكر لمدار:
“منذ شهر يوليو الماضي وأنا أحاول تجديد بطاقة تعريفي الوطنية، لكن الطريق إلى ذلك ليس مفروشا بالورود، فقد تنقلت بين جميع مراكز الحالات المدنية في نواكشوط، دون أن أصل إلى مبتغاي.
بداية الأسبوع الجاري كنت أستيقظ باكرا كل صباح، وأتوجه صوب مراكز الحالة المدنية، حيث أمضي اليوم كله منتظرا في الطابور حتى انتهاء وقت الدوام، دون أن يحين دوري.”
ويضيف ولد أميجن:
“اضطرت هذا الأسبوع إلى الانقطاع عن العمل من أجل تجديد البطاقة رغم ما في ذلك من تأثير علي، خاصة أن عملي يعتمد على الدخل اليومي، مما يعني أنني خسرت أسبوعا دون أن أجني أي شيء.
مازلت أحاول تجديد بطاقة تعريفي، رغم أنني لم أحصل إلا على الانتظار في الجو الساخن والتعب، بعد مروري على جميع مراكز الحالات المدنية في نواكشوط.”
لا تختلف وضعية أبوبكر عن بقية زملائه الراغبين في تجديد بطاقاتهم الوطنية بحسب أغلبية المنتظرين أمام الشباك، الذين تحدثوا لمدار، حيث أشادوا بالخطوة الأولى التي انتهجها المركز، ألا وهي تنظيم الطوابير، لكن ما بعد تلك المرحلة هو أكثر ما يقلقهم، خاصة أنهم سيتنظرون بعد ذلك فحسب..
سيدي عبد الله هو الآخر، قد تجرع مرارة انتظار تجديد بطاقة التعريف، بعد أيام من التردد على مراكز استقبال المواطنين، التقته “مدار” خارجا من مركز لكصر بعد ساعات من الانتظار، على أن يعود بعد ساعتين إلى الاصطفاف خلف الطابور..
يقول ولد عبد الله:
“منذ أسبوع وأنا متوقف عن العمل، نتيجة لترددي على مراكز الحالات المدنية من أجل تجديد بطاقة تعريفي الوطنية، حتى أتمكن من استكمال إجراءات تعديل حسابي في أحد البنوك الذي تعرض للخلل ما، لكن ذلك يبدو صعبا، وقد ضقت ذرعا من طول الانتظار.
أخبرني مسؤولو بعض المراكز أنه تم تخصيص يومي الثلاثاء والأربعاء لتجديد البطاقة، وعند ما عدت في الموعد المذكور، تتكرر لي سيناريو الانتظار، وتضييع أوقات العمل، كما في الأيام السابقة.”
ويضيف سيدي الذي توحي ملامحه بشيئ من الامتعاض والإحباط:
“كل مايمكنني قوله: هو أن الوضع أصبح لايطاق، فالقدوم إلى هنا أصبح مقلقا بحد ذاته، ومن التحديات التي لا أرغب في مواجهتها على الإطلاق، ويمكنني القول إن أصعب يوم يواجهه المواطن الموريتاني، هو عندما يذهب إلى أحد مراكز الحالة المدنية.
اليوم حصلت على الرقم الـ55 في طابور تجديد البطاقات، وسأنصرف لبعض شؤون العمل قبل أن يحين دوري الذي أنا متأكد من تأجيله إلى يوم آخر.”
عملية تجديد بطاقات التعريف الوطنية في موريتانيا، بدأت نهاية العام الماضي، وكان العدد المطلوب تجديده حينها يناهز مليونا و600 ألف بطاقة، بحسب إحصائيات رسمية.
ولأن موريتانيا مقبلة على انتخابات تشريعية في النصف الأول من العام القادم، حسب ما هو معلن حتى الآن، بدأ الإقبال يحتدم على مراكز الحالة المدنية بوتيرة عالية، على حد تعبير مدير مركز استقبال المواطنين في لكصر، الحضرامي ولد محمد الأمين إن.
يقول الحضرامي:
“نتوقع أن يكون تم حتى الآن، تجديد نسبة 50% من بطاقات التعريف الوطني التي انتهت صلاحياتها على مستوى البلاد، ونتوقع أن تصل إلى 80% بحلول العام القادم، وعملية بطاقات التجديد مستمرة تحت إشراف رسمي، عبر فتح بعض المراكز التي لم تكن مجهزة بالكهرباء، أو بالشبكة.
سيتم خلال الأسبوع القادم، فتح أكثر من 30 مركزا خصيصا لهذه العملية على مستوى البلديات في ولايات الداخل، حتى لايأتي الثلث الأول من العام القادم، إلا وقد تم تجديد جميع البطاقات المنتهية صلاحياتها.”
ويضيف الحضرامي:
“على مستوى مركز مقاطعة لكصر، يتم يوميا تجديد حوالي 250 بطاقة، وأحيانا تصل إلى 300 بطاقة، والإقبال على تجديد البطاقات هذه الفترة، كبير كما هو الحال مع جميع المراكز الأخرى، نظرا لافتتاح العام الدراسي الذي بدأ قبل إسبوعين، وهي فترة تجديد البطاقات للتلاميذ، خاصة المشاركين في المسابقات الوطنية.
ليست هناك عراقيل تذكر على مستوى تقديم الخدمات للمواطنين بالنسبة للمراكز، فالعمل هنا يسير بوتيرة طبيعية، ونتوقع أن يتم تجديد جميع البطاقات حسب المعطيات، قبل الثلث الأول من العام القادم، يقول الحضرمي.”
طول الانتظار والتعب، لايقتصران على تجديد البطاقات فحسب، فأصحاب الحاجات الأخرى في هذه المراكز، ذاقوا بدورهم مرارة العراقيل التي تطبع جميع مراكز استقبال المواطنين في البلاد، حسب محمد عالي محمد سعيد.
يقول محمد عالي:
“جئت لأحد المراكز من أجل الحصول على إحصاء جديد لأبناء أخي الذين ضاعت إحصاءاتهم كي يتمكنوا من التسجيل في المدارس هذا العام، اصطحبت معي بطاقات تعريف الوالدين، القيمان حاليا في بلجيكا، وعندما حان دوري بعد طول انتظار، رفض مسؤولوا المراكز ذلك، مشترطين حضور والدي الأطفال، أخبرتهم استحالة قدومهما، وقدمت لهم جميع الوثائق المطلوبة، لكن الصدمة كانت حين أخبرني مدير المركز أن ذلك سيستغرق وقتا، وهو أمر محير تعتمده المراكز لمثل هذه الحالات.
من أتى إلى مراكز استقبال المواطنين، سيتأكد أن الخدمة بعيدة جدا من المواطنين، وليس هناك أي تقريب للخدمة من المواطن هكذا يكرر محمد عالي.”
مع افتتاح العام الدراسي الجديد، واقتراب الانتخابات، تكتظ مراكز الحالات المدنية بالمواطنين يوميا، حيث يطبع تزاحمهم التعب والامتعاض، نتيجة لبطء الوتيرة التي تسير بها العملية، ليبقى تغيير هذه الوضعية، متصدرا طلبات المنتظرين هنا في الطابور، والتي تشمل تغيير البنية التحتية للمراكز، وتوفير أمكان مريحة، تقي المنتظرين من التقلبات المناخية.
لا يختلف الأمر كثيرا في مراكز الحالة المدنية بنواكشوط، وإن تفاقم ببعض المراكز نتيجة لضعف الشبكة، أو نفاد شكليات مستخرجات الميلاد، أو لطبيعة تعاطي المسؤولين في المراكز، بين هذا وذاك يزدحم المواطنون في طوابير تحت أشعة شمس أكتوبر الحارقة، في صمت، وتأمل، لا يقطعه إلا صيحات استهجان لتجاوز شخص ما للطابور، بفعل مساعدة أحد العاملين، أو وساطة نافذ، ودائما ما تفشل تلك المحاولات مع تصاعد صيحات الاستهجان، فلشبكات التواصل الاجتماعي كما يقول أحد المتصببين عرقا بفعل طول الانتظار، سلطانها في هذا الميدان.