في خطوة تثير مخاوف داخلية وإقليمية، قرر المشاركون في الحوار الوطني تشادي وبعد أسابيع من النقاش والتشاور، تمديد الفترة الانتقالية لمدة عامين إضافيين، سيبقى خلالهما الجنرال محمد إدريس ديبي رئيسا للبلاد، بعد انتهاء 18 شهرا كفترة انتقالية أولى تولى فيها الرئاسة، دون أن يفي بتعهده الأبرز المتمثل في تنظيم انتخابات عامة، وتسليم السلطة لرئيس مدني منتخب.
لكن مخرجات الحوار، الذي قاطعته العديد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والجماعات المتمردة، لم تكتف بتمديد الفترة الانتقالية للمجلس العسكري الحاكم فحسب، وإنما أتاحت كذلك لمحمد ديبي ورفاقه من الجنرالات إمكانية الترشح للرئاسة لاحقا.
ويعني ذلك أن الجنرال الشاب سيقود تشاد عمليا لفترة انتقالية من حوالي 4 سنوات، وهي مدة طويلة مقارنة بالفترات الانتقالية العسكرية في المنطقة، ففي مالي وبوركينافاسو، يتولى العسكر الرئاسة لعامين، وفي غينيا كوناكري يتولى مامادي دومبويا الرئاسة لثلاث سنوات، وتسعى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إلى تخفيض فترة رئاسته لسنتين.
ولا تحظى هذه الاستثنائية تشادية في تمديد الفترة الانتقالية بإجماع كبير، فعديد الأحزاب والمنظمات تعتبرها خطوة أولى نحو مكوث الجنرال الإبن في السلطة، على غرار الماريشال الأب الذي ظل رئيسا إلى حين مقتله بجبهة القتال في ال20 من ابريل عام 2021، وذلك بعد فترة قصيرة على انتخابه لولاية سادسة، وكان قبل ذلك بسنوات قد عدل الدستور بما يسمح له بإمكانية الترشح إلى غاية 2033.
وهكذا فإن تمديد الفترة الانتقالية في تشاد ينذر بتصعيد سياسي واجتماعي وربما عسكري جديد، فعلى الصعيد السياسي، تعتبر أحزاب سياسية معارضة وازنة ومعها اتحادات نقابية، أن بقاء محمد ديبي في السلطة لفترة أطول، خطوة نحو تجذير “توريث الرئاسة”، ولا يستبعد أن يتخذ رفضها هذا طابعا احتجاجيا واسعا في الفترة المقبلة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن تشاد أعلنت قبل أشهر حالة طوارئ غذائية بسبب الجفاف وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية فيما يتعلق بالإمداد بالحبوب، وعلى إثر ذلك فإن ملايين تشاديين باتوا على حافة المجاعة.
أما على الصعيد العسكري، فإن امتناع 18 حركة مسلحة عن المشاركة في الحوار لعدم تلبية المجلس العسكري لمطالبها بإعادة تشكيل اللجنة المنظمة للحوار، والتعهد بعدم مشاركة المجلس في الانتخابات القادمة، منذر هو الآخر بعودة التمرد مجددا، خصوصا حين تلتقي الإرادة السياسية مع الاجتماعية في رفض الوضع ومعارضته.
وبهذا يكون الحوار قد عمق الخلافات، في وقت كان ينتظر أن يضيق الهوة، ويحقق مصالحة شاملة على أسس التوافق الذي توصل له المجلس العسكري وحركات المعارضة المسلحة بالدوحة في 8 من أغسطس الماضي.
وإذا ما توسعت مساحة الاختلاف بين المجلس العسكري الحاكم، والمكون السياسي والمدني المعارض، وحركات التمرد الرافضة، فإن ذلك يعني أن بقاء ديبي في السلطة سيكون مهددا، وقد يجد الرجل نفسه مرغما على تقديم تنازلات من قبيل إعلان عدم ترشحه للرئاسة، بعد انتهاء الفترة الانتقالية الحالية.
ولكن مطالب خصومه ومعارضيه قد تتجاوز ذلك نحو اشتراط عدم ترشح أي من الجنرالات أعضاء المجلس العسكري للانتخابات، وهذا قد يقود إلى خلافات بينه وأعضاء المجلس الذين اختاروه رئيسا للبلاد.
وفضلا عن ذلك فإن المجتمع الدولي لن يكون مستعدا بما فيه الكفاية لدعم ديبي في تمديد ولايته الرئاسية والترشح لاحقا، خصوصا وأنه سبق وأعلن عدم ترشحه وأي من أعضاء المجلس للرئاسة، قبل أن يوقع مساء أمس على مخرجات الحوار، ويحتفل مع أعضاء مجلسه بهذا التمديد.
وإذا اتسم بالمرونة التعامل إقليميا ودوليا مع مسعى جنرال تشاد للبقاء رئيسا عامين آخرين، والترشح للانتخابات، فإن هذا قد يدفع العقداء والنقباء العسكريين في دول إفريقية أخرى، إلى مراجعة مدد فتراتهم الانتقالية، سواء من خلال عقد حوارات أو عبر طريقة إخراج أخرى مختلفة، وهو ما يعني المزيد من الأزمات السياسية بالقارة.