دخل النائب البرلماني وزعيم حركة إيرا بيرام الداه اعبيد في مواجهة مفتوحة خلال جولته الأخيرة مع بعض أركان نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بعد فترة هدنة مثلت منعرجا بالنسبة للكثيرين في مسيرة الرجل السياسية.
مسيرة الرجل..
دخل بيرام الداه اعبيد المولود في 12 يناير 1965 بمدينة روصو، الواجهة السياسية، والحقوقية عبر بوابة حركة إيرا، في سنة 2008 قادما من صفوف أنصار الوزير الأول الأسبق والمرشح للانتخابات الرئاسية 2007 الزين ولد زيدان، وفترة تربص قبل ذلك على أعتاب مقرات الحزب الجمهوري.
مثل الرجل بالنسبة للكثيرين صرخة طال انتظارها، فكان الناطق باسمهم، والمعبر عن أحاسيسهم، رغم ما لاكت الألسن عن دور كلف به خدمة للإنقلابيين من أجل إضعاف خصومهم السياسيين، وظف بيرام العارف بأحوال المجتمع وما يواجهه من تحديات قد يكون البعد العرقي، والفئوي، رغم خطره الماحق، أقلها تأثيرا على بقاء كيان الدولة، تلك التناقضات من أجل خدمة مشروعه..، وهو ما مثل صفعة لمجتمع متمسك بخياراته التقليدية، على حساب ما يتطلبه عالم القرية الواحدة، من حركية وتغيير، فهاجم السياسيين، والعلماء، ووجه سهام نقده لإحدى مكونات المجتمع الموريتاني، بل واختزل في ذلك خطابه السياسي، متجاوزا مختلف التحديات الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية.
انطلاقا من ذلك قدم الرجل نفسه للعالم كمتحدث ومنافح عن مظلومية مكون من مكونات المجتمع الموريتاني، وهو ما منحه مكانة سياسية، وحقوقية، مكنته من حصد جوائز على المستوى العالمي، مستفيدا في ذلك من دعم واسع في صفوف النخبة الزنجية، الموريتانية، المقيمة منذ فترة في الغرب بعد أحداث نهاية الثمانينيات، وبداية التسعينيات.
خاض الرجل غمار أول انتخاب في حياته سنة 2014، من بوابة الانتخابات الرئاسية مستفيدا من تزكية مستشاري حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، رغم مقاطعة قادة المعارضة، ليحصد بذلك المركز الثاني بنسبة 8% من أصوات الناخبين، بعد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ثم انتخب نائبا في البرلمان سنة 2018، بعد السماح له بالترشح من داخل السجن، وفي السنة الموالية استفاد الرجل أيضا من تزكية مستشاري حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، ليحصد المركز الثاني بعد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بنسبة قاربت 20% متقدما بذلك على مرشحي المعارضة، في انتخابات قيل فيها الكثير عن طبيعة التوازنات التي أراد النظام السابق فرضها على ولد الشيخ الغزواني عبر جره للشوط الثاني..
لم يعترف بيرام الذي دخل في مفاوضات علنية خلال اللحظات الأخيرة مع الرئيس السابق من أجل الاعتراف بحركته، وحزبه، بنتائج الانتخابات واعتبرها مزورة، لكن لقاءاته اللاحقة مع ولد الشيخ الغزواني، وفتح باب القصر الرمادي أمامه، جعلته يخرج عن خطابه التقليدي.
ثلاث سنوات من الغزل..
خرج بيرام من ثاني لقاء له مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على أنصاره بخطاب جديد، كما خرج بامتيازات منها دفع متأخرات راتبه لعشر سنوات، وترخيص حركته، مع توظيف بعض قادتها، جملة الامتيازات هذه التي مكنت بيرام من تأمين سكن لائق في العاصمة السنغالية داكار، وجعلته يعبر بشكل علني عن رؤيته لموريتانيا الجديدة، التي يدير سكتها رجل يتقن فن الاستماع، والحوار، ويفتح أبواب القصر أمام خصومه السياسيين، وهذا ما كان يبحث عنه بيرام وفق تعبيره، ذهب الرجل خلال هذه الفترة إلى القول إنه مستعد لمد اليد لغزواني والدخول في نظامه، إن قرر ذلك، وفتح الباب أمامه وأمام تطبيق مشروعه المجتمعي.
نصب بيرام نفسه، لمدة ثلاث سنوات إلا شهرا، المنافح الأول عن ولد الشيخ الغزواني، مع احتفاظه بتوجيه بعض الرسائل المبطنة أحيانا لحكومته، وهو ما جعل البعض يقول إن أغلبية ولد الشيخ الغزواني تكتفي بالتفرج في انتظار إيجاد مكان لها بعد تزاحم قادة المعارضة على الإشادة برئيسها.
نهاية المغامرة..
في شهر إبريل من سنة 2022 دخل بيرام في جولة شملت عدة ولايات بعد ترخيص حركته، لكنه فضل استخدام شعار حزبه “الرك” الذي لم يرخص، رغم الوعود بذلك، وفي محطته السادسة بولاية أطار تفاجأ بيرام بقوات الأمن تقتحم نشاطه وتنتزع لافتات تحمل شعار واسم حزبه، كان ذلك منتصف مايو الماضي، مثل التصرف بالنسبة لبيرام منعرجا خطيرا، لكنه حافظ على وقاره في انتظار لقاء الرئيس، ذلك اللقاء الذي طال انتظاره..
بالنسبة للكثير من أنصار النظام فإن سبب الأزمة هو دخول بيرام في حملة انتخابية سابقة لأوانها، لكن بالنسبة لبيرام فالأمر لا يتعدى دخول “لمرابط لكبير” وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين على الخط، وإنهاء علاقته بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، تلك العلاقة التي يقول بيرام إنها كانت لمصلحة الوطن وانسجامه، لكن الجديد في تصريحات زعيم حركة إيرا هو اتهامه ضمنيا للرئيس بالغياب، أو عدم التحكم في الأمور..
صب بيرام جام غضبه على رجل ثقة الرئيس ووزير داخليته، ووجه له تهما خطيرة لم تقتصر على اتهامه بتهديد بيرام عبر وسيط اجتماع مقرب منه بالتصفية الجسدية، لكنه زاد على ذلك باتهامه علنا باتخاذ قرار يحرم مكونا اجتماعيا موريتانيا من الإحصاء أو تجديد بطاقات ااتعريف المنتهية الصلاحية، مثلت هذه التصريحات التي اختار لها بيرام ولاية الرئيس ووزير داخليته مكانا لإطلاقها، منعرجا بالنسبة للكثيرين في علاقة الرجل بنظام ولد الشيخ الغزواني.
لا يمكن توقع طبيعة ردة فعل النظام، لكن من المؤكد أن دافع بيرام في هذه الظرفية بالذات هو محاولة لملمة شتات أنصاره قبل الانتخابات القادمة، بعد ما قيل إنه تخلى عن نهجه لصالح تفاهمات خاصة استفاد منها، لم يجد أحد أنصاره قبل أيام أي حرج من الحديث أمامه عن ذلك بشكل مباشر وأمام الكامرات، يتقن بيرام جيدا فن “التسويق السياسي” فهو يعرف متى يستخدم الصورة، والكلمة، ويعرف كيف “يحتسي” على طريقة أحد مكونات المجتمع الموريتاني اللبن ب”بلاقشاشه، أو التشغليت” ضحى على حصير متواضع، في جو خريفي بين أطفال ونساء بسطاء، فالصورة لها دورها في إظهار القرب من الناس، والتأثير عليهم، لكنه يعي جيدا أن النظام بيده أوراق أقلها حرمانه من تزكية مستشاري الحزب الحاكم “الاتحاد” سابقا، و”الإنصاف” حاليا.
فهل قطعت تصريحات الرجل شعرة معاوية مع النظام؟